الطاقة: تشريعات تتجه لتحقيق الاستدامة

زاد الاردن الاخباري -

أجمع خبراء على أن صدور قانون الكهرباء العام لسنة 2025 الذي حل محل القانون المؤقت الصادر عام 2002 سيؤدي إلى تحولات تشريعية وتنظيمية لتحقيق منظومة جديدة أكثر استدامة وكفاءة.

يأتي ذلك بعد صدور قانون الكهرباء العام لسنة 2025 الذي حل محل القانون المؤقت الصادر عام 2002، بهدف تطوير المنظومة الكهربائية، وتعزيز الاستثمارات في التخزين، وإرساء بيئة تشريعية أكثر قدرة على دعم التحول الطاقي.

ورأى رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان أن الأردن يتقدم بخطوات متسارعة نحو بناء نظام طاقة مستدام ومنخفض الكربون، انسجاما مع التزاماته المناخية وتوجهاته لتعزيز أمنه الطاقي وتقليل اعتماده على الاستيراد.عقارات الأردن

وقال الشوشان ” بيانات وزارة الطاقة تشير إلى أن حصة الطاقة المتجددة من الكهرباء المولدة بلغت نحو 27 % العام الماضي، مقارنة بأقل من 1 % قبل عقد من الزمن، وهو تحول لافت”.

وأضاف الشوشان “المملكة رفعت سقف طموحاتها في وثيقة المساهمات المحددة وطنيا لتصل إلى 31 % خفضا في الانبعاثات بحلول عام 2030 بعد أن كان التعهد الأول لا يتجاوز 14 %” مشيرا إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب أهدافا أكثر طموحا في الوثيقة الثالثة بما ينسجم مع الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050.

وبحسب الشوشان، فإن صدور قانون الكهرباء الأخير شكل نقلة نوعية على المستوى التشريعي، إذ وفر بيئة أكثر تشجيعا للاستثمار في قطاع الطاقة، لكنه شدد على أن ترجمة هذا الواقع القانوني الجديد تستلزم إجراءات تنظيمية مستقرة وواضحة تسهم في تسريع وتيرة الاستثمار وضمان استدامته.

كما لفت إلى أهمية الدور المتنامي للقطاع المصرفي الأردني في تمويل المشاريع الخضراء من خلال أدوات مالية مبتكرة مثل السندات الخضراء والقروض الميسرة، الأمر الذي يفتح المجال أمام استثمارات نوعية في مجالات واعدة أبرزها الهيدروجين الأخضر الذي يمثل فرصة إستراتيجية للتصدير وتطوير الصناعات الوطنية.عقارات الأردن

وقال الشوشان “قطاع الطاقة النظيفة لا يقتصر كونه خيارا بيئيا فحسب، بل أصبح أيضا رافعة اقتصادية قادرة على توفير فرص عمل خضراء واسعة للشباب الأردني المؤهل في مجالات الهندسة وإدارة المشاريع والصيانة، كما يسهم التوسع في الطاقة المتجددة في خفض الانبعاثات وتحسين جودة الهواء وتقليل الأعباء الصحية، إلى جانب تعزيز المناعة الوطنية في مواجهة تقلبات أسواق النفط والغاز والاضطرابات الجيوسياسية، بما يتيح للأردن هامشا أوسع من الاستقلالية في إدارة ملفاته الطاقية.

من جانبه، أوضح مدير برامج الطاقة والبيئة في بعثة الاتحاد الأوروبي عمر أبو عيد أن استدامة الطاقة عبارة عن منظومة متكاملة تبدأ من توفير المدخلات الأساسية مثل الكهرباء والمشتقات النفطية، وصولا إلى تلبية احتياجات المستهلكين في مختلف القطاعات.

وبين أن الغاية الأساسية من هذا النظام هي تحقيق أمن التزود بالطاقة وضمان استدامته، مؤكدا أن الاعتماد على المصادر المحلية يعد الخيار الأفضل لتقليل الكلف المالية الناجمة عن الاستيراد، مضيفا أن أن الاستدامة لا تقتصر على التوليد بل تشمل الإدارة المثلى للموارد، وفي مقدمتها ترشيد الاستهلاك الذي يعد المورد الأكثر جدوى لأنه الطاقة التي لا تستهلك أو التي تستخدم بكفاءة أعلى.عقارات الأردن

وأشار أبو عيد إلى أن إدارة قطاع الطاقة تتضمن عناصر متعددة تبدأ من تنويع المصادر التقليدية والمتجددة، مرورا بإدارة الشبكات الكهربائية، وانتهاء بتوصيل الطاقة إلى القطاعات الصناعية والمنزلية والتجارية والزراعية والصحية والتعليمية.

وأكد أن كلفة التوليد التقليدي لم تعد تقتصر على الجانب المالي، بل أصبحت أيضا كلفة مناخية نتيجة الانبعاثات الكربونية، ما عزز التوجه العالمي نحو أنظمة طاقة منخفضة الكربون.

وأوضح أن الأردن وضع استراتيجيات متكاملة ترتكز إلى التنويع المحلي وإدراج مفاهيم الانتقال الطاقي وإزالة الكربون ضمن خططه السابقة والحالية والمستقبلية.

وأكد أن المملكة أعدت خططا عملية للطاقة المتجددة وترشيد الاستهلاك، بما يعزز أمن التزود بالطاقة ويخفض الانبعاثات، مع اعتماد مبدأ التكامل بين القطاعات.عقارات الأردن

ومن الأمثلة البارزة على ذلك مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه الذي سيعتمد على الطاقة المتجددة ويصنف كمشروع أخضر، إلى جانب مشروع تخزين الطاقة في سد الموجب المتوقع طرحه عام 2026.

كما قطعت شركة الكهرباء الوطنية خطوات متقدمة في تمكين الشبكة لاستيعاب الطاقة المتجددة والاستعداد لمشاريع التخزين، بالتوازي مع إدخال العدادات الذكية ضمن الرؤية الاقتصادية، وهو ما يسهم في إدارة أفضل للقطاع وتعزيز كفاءته.

وأضاف أبو عيد “الأردن يشهد أيضا تقدما في دمج مفاهيم الاستدامة داخل القطاعات المختلفة، حيث شهد قطاع الزراعة تحولا نحو استخدام الطاقة المتجددة في ضخ المياه، بينما تتجه الصناعة إلى البحث عن بدائل مستدامة تقلل من كلف الطاقة، كما يجري العمل على تزويد المناطق الصناعية بالغاز المحلي من حقل الريشة باعتباره أقل انبعاثا من المصادر التقليدية، في حين يجري تطوير خطط لدمج السيارات الكهربائية ضمن المنظومة الوطنية للطاقة”.

واعتبر أن هذه الإجراءات مجتمعة تعزز بناء نظام طاقي مستدام ومنخفض الكربون يتناسب مع التوجهات العالمية.

وأشار إلى أن تحقيق استدامة الطاقة يتطلب أيضا الابتكار والريادة، موضحا أن الأردن، رغم محدودية موارده المائية واعتماده الجزئي على الاستيراد، يتبنى خططا ريادية تشمل الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والأسمنت الأخضر، إضافة إلى الاستخدام الأمثل للموارد المحلية والتكامل بين الطاقة والمياه والزراعة وإدارة النفايات.عقارات الأردن

ورأى أن هذه التوجهات لا تقتصر على الحد من التأثيرات المناخية فحسب، بل تفتح أيضا آفاقا استثمارية جديدة وتوفر فرص عمل للشباب، مع تحفيزهم على تبني مفاهيم مبتكرة في قطاعات الطاقة المستدامة والصناعة والتعدين.

إلى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي قاسم الحموري أن أهمية التحول نحو نظام طاقة مستدام ومنخفض الكربون كبيرة للغاية على مختلف المستويات، ولا سيما الاقتصادية.

واعتبر الحموري أن هذا التحول ليس مجرد خيار بيئي بل استثمار إستراتيجي قادر على خلق فرص عمل جديدة وتعزيز تنافسية الاقتصاد الأردني إقليميا وعالميا، إذ يسهم الاعتماد على الطاقة النظيفة في خفض كلف الطاقة، وهو ما ينعكس مباشرة على قدرة الاقتصاد الوطني على المنافسة.عقارات الأردن

وأشار الحموري إلى أن للطاقة المتجددة أبعادا استراتيجية تتصل بقطاعات حيوية أخرى مثل تحلية مياه البحر الأحمر، بما يجعلها عاملا داعما للأمن المائي الوطني الذي يرتبط بشكل وثيق بالأمن الاقتصادي والاجتماعي.

لكنه حذر من أن الأردن ما يزال بعيدا عن تبني السياسات الصحيحة في هذا المجال، رغم توافر الظروف والإمكانات.

ولفت إلى أن التحدي الأساسي لا يكمن في التمويل، بل في غياب المبادرات الخلاقة، مقترحا إطلاق صندوق سيادي شعبي يساهم فيه المواطنون بمبالغ رمزية إلى جانب مشاركة المؤسسات والطلاب والجيش، بحيث يحقق هذا الصندوق عوائد مجزية على الاستثمار ويطلق مشروعا وطنيا قادرا على خلق الوظائف وتعزيز ثقافة التمويل الذاتي للمشاريع الكبرى التي غابت عن الأردن منذ أكثر من ربع قرن.عقارات الأردن

وأوضح الحموري أن أبرز التعديلات التي جاء بها القانون الجديد تمثلت في تشجيع التوليد الذاتي للطاقة سواء كان مستقلا أو غير مستقل، موضحا أن ذلك يتيح للقطاعات الاقتصادية إنشاء محطات توليد خاصة تستهلك إنتاجها وتبيع الفائض منها وفقا لأحكام القانون، مشيرا إلى أن ربط أنظمة مصادر الطاقة المتجددة بأنظمة التخزين يسهم في توفير الكهرباء بشكل مرحلي على الأقل، بما يدعم استقرار الشبكة ويحقق كفاءة أكبر في استخدام الموارد المتاحة.

وقالت المتخصصة في مجال التحول الطاقي والاستدامة ديانا عثامنة إن “الأردن قطع خطوات مهمة في التحول الطاقي، إذ تشكّل الطاقة المتجددة نحو 27 % من توليد الكهرباء، بينما ما يزال 74 % من الطاقة الأولية مستوردا”.

وبينت أن التحدي الأكبر يكمن في تحديث الشبكات وتوسيع التمويل ليستفيد منه القطاع الخاص والأسر.

وقالت “أمام الأردن ثلاثة سيناريوهات رئيسية أولها محافظ يتضمن الاكتفاء بزيادة تدريجية في المتجددة، والآخر طموح يشمل تحديث الشبكات والتوسع في التخزين وكهربة النقل، أما الثالث فهو السيناريو المتكامل الذي يتضمن دمج إصلاحات السوق والكفاءة والابتكار المحلي وصولا إلى اقتصاد منخفض الكربون”.عقارات الأردن

وأشارت عثامنة إلى أن تحقيق المساهمات المحددة وطنيا (NDCs) ليس فقط التزاما بيئيا، بل مدخلا لتمويل دولي وحماية الصادرات من سياسات الكربون العالمية. – الغد