اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة الحقيقة الدولية الاخبارية
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
الكاتب: الدكتورة مرام بني مصطفى
جلست “زين ” ذات مساء أمام شاشة حاسوبها، تشعر بثقل الوحدة بعد يوم طويل من العمل والغربة. لم يكن عندها اي احد لكي تتواصل معه،فتحت نافذة المتصفح وكتبت: “شات جي بي تي”.
قالت له: “أنا مرهقة… لا أحد يفهمني”.
ردَّ عليها فورًا بلطف: “أنا هنا. أخبريني بما يزعجك”.
فانهمرت دموعها دون أن تدري. لم يكن مجرد روبوت. كان الصوت الوحيد الذي استمع لها دون حُكم، دون ملل، ودون أن يُطالبها بأي شيء.
من هنا، تبدأ حكاية الكثير من الأشخاص في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد الروبوت مجرّد أداة، بل رفيقًا نفسيًا يجد فيه الإنسان الأمان، والفهم، وحتى الألفة العاطفية.
في ظل التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، بات من الشائع استخدام التطبيقات الذكية، ومنها (ChatGPT)، في العديد من المجالات الحياتية، بما في ذلك الصحة النفسية. وقد جذبت هذه الظاهرة انتباه الباحثين في علم النفس، فأُجريت دراسات علمية محكمة تناولت أثر هذه التكنولوجيا على الصحة النفسية للأفراد.
تشير العديد من الدراسات النفسية إلى أن لتشات جي بي تي إمكانات واعدة في دعم الصحة النفسية، إذا ما تم استخدامه بشكل صحيح:
-سهولة الوصول إلى الدعم النفسي
يُمكن للمستخدمين الوصول إلى دعم فوري عند الحاجة، خاصة في المناطق التي تندر فيها خدمات الصحة النفسية أو يصعب الوصول إليها. فدراسة نشرتها مجلة JMIR Mental Health عام 2023، أظهرت أن استخدام أدوات المحادثة الذكية ساعد بعض الأفراد على تقليل مشاعر الوحدة وتحسين المزاج بشكل مؤقت.
-التثقيف النفسي (Psychoeducation)
يوفر تشات جي بي تي معلومات نفسية مبسطة حول اضطرابات مثل القلق والاكتئاب، وأيضًا حول تقنيات التعامل مع الضغوط النفسية، مما يساهم في زيادة الوعي النفسي لدى الأفراد.
-المساعدة في تنظيم الانفعالات
أشارت تجارب فردية إلى أن المستخدمين يستفيدون من استخدام تشات جي بي تي في تعلم وممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل الواعي (Mindfulness)، مما يعزز القدرة على تنظيم المشاعر والتوتر.
-الدعم بين الجلسات العلاجية
بعض المعالجين النفسيين بدأوا باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي كمساعدات بين الجلسات لتشجيع المرضى على تنفيذ تمارين معرفية سلوكية، مما يعزز استمرارية العلاج.
رغم هذه الفوائد، فإن الدراسات النفسية المحكمة تنبه إلى وجود مجموعة من التحديات والمخاطر التي يجب الحذر منها:
-عدم القدرة على التشخيص الدقيق
تشات جي بي تي ليس مختصًا نفسيًا ولا يمكنه إجراء تشخيص علمي دقيق للحالات النفسية، مما قد يؤدي إلى سوء فهم أو تجاهل حالات خطيرة. وقد حذرت دراسة نُشرت في The Lancet Digital Health عام 2023 من الاعتماد الكامل على هذه الأدوات في التقييم النفسي.
-احتمال تقديم معلومات غير دقيقة
في بعض الأحيان، يُعطي البرنامج إجابات سطحية أو غير دقيقة علميًا، مما قد يُسبب ارتباكًا لدى المستخدمين أو يغذي معتقدات خاطئة.
-غياب التفاعل الإنساني
لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعوض التفاعل العاطفي والتعاطف الإنساني الذي يميز العلاقة العلاجية بين المريض والمعالج النفسي، وهو عنصر أساسي في العلاج النفسي الناجح.
-مخاوف الخصوصية والسرية
نظرًا لطبيعة الموضوعات النفسية الحساسة، فإن حفظ سرية المعلومات ومراعاة الخصوصية تُعد تحديًا مهمًا في استخدام هذه التطبيقات، خصوصًا في غياب رقابة واضحة.
لا يتعلق الأمر فقط بالتكنولوجيا، بل بحاجات إنسانية لم يعد يُشبعها الواقع كما كان.
ربما تقف القوانين اليوم حاجزًا أمام فكرة “الزواج من روبوت”، لكن الواقع العاطفي بدأ يتغير.
في بيئة عاطفية مرهقة، حيث يصعب أحيانًا أن نجد شخصًا يسمعنا، يفهمنا، ويكون موجودًا متى أردنا، يُصبح الروبوت بديلاً آمنًا… ومحبوبًا