اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ٢ أب ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
في ظل مواجهة الأردن واحدا من أخطر التحديات الوجودية في تاريخه؛ أزمة مياه تتفاقم عاما بعد عام، فإن الاعتماد الذي يفوق 90 % على مصادر مياه محدودة، أغلبها جوفية ومشتركة مع دول الجوار، وتراجع معدلات الهطول، وتزايد الطلب بفعل النمو السكاني واللجوء، باتت الحاجة لحلول هيكلية مستدامة أمرا لا يحتمل التأجيل.
لكن الأردن ليس وحيدا في هذا المسار؛ فالشرق الأوسط بأكمله يعيد رسم خريطة أمنه المائي والطاقي في ظل تغيّر المناخ والتوترات الجيوسياسية.
أزمة المياه لا تدار باساليب تقليدية
ورغم أن الأردن لا يمتلك الإمكانيات المالية أو الموارد الطبيعية التي تتمتع بها دول أخرى، فإن قدرته على بناء شراكات ذكية، وتبني نماذج تمويل مرنة، والاستثمار في التكنولوجيا المستدامة، قد تجعله لاعبا فاعلا في مشهد إقليمي يتغير بسرعة.
فلم تعد أزمة المياه في الأردن قابلة للإدارة بأساليب تقليدية، وإذا لم تستثمر هذه اللحظة الإقليمية الحاسمة في خلق حلول إستراتيجية، فإن ما يبدو اليوم ندرة قد يتحول غدا إلى عجز وجودي دائم.
وفي هذا السياق، قدم تقرير صادر أخيرا عن مؤسسة “أي إنفست”، وحصلت “الغد” على نسخة منه، رؤية تحليلية لمرحلة مفصلية تعيشها المنطقة.
وركز التقرير الذي حمل عنوانه “أسواق البنية التحتية للمياه الناشئة في الشرق الأوسط: الفرص الإستراتيجية في تحلية المياه والطاقة”، على مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تربط بين تحلية المياه وإنتاج الطاقة، كخيار إستراتيجي لتحقيق الاستقرار المائي والاقتصادي.
وتعد مثل هذه المشاريع، فرصة مهمة لدول مثل الأردن، الذي لا يمتلك منفذا بحريا مباشرا إلا عبر خليج العقبة، لكنه يدرس منذ سنوات مشروعات تحلية مثل الناقل الوطني، تحلية خليج العقبة ونقل المياه إلى الشمال.
التحلية توفر كميات مياه كافية
ورغم التحديات التمويلية والتقنية، فإن التقرير أبرز نماذج إقليمية ناجحة يمكن البناء عليها، ومقابل ذلك، أكد الخبير الدولي في قطاع المياه د.دريد محاسنة، في تصريحات
لـ”الغد”، أن اللجوء إلى الطاقة المتجددة في عمليات تحلية المياه أصبح خيارا إستراتيجيا لا غنى عنه، بل ضرورة وطنية ملحّة في ظل تزايد العجز المائي في الأردن.
وقال محاسنة “إن التحلية باتت الوسيلة الوحيدة القادرة على توفير كميات المياه الكافية لنحو 11 مليون نسمة، في وقت لا تكفي فيه الموارد المائية الحالية لتغطية احتياجات أكثر من مليوني شخص فقط”.
وأضاف “أصبح من غير الممكن اليوم تلبية الطلب المتزايد على المياه دون التوجه نحو مشاريع التحلية، إذ لم تعد هناك بدائل تقليدية يمكن التعويل عليها لتغطية هذا النقص الحاد”.
وشدد الخبير الدولي في قطاع المياه، على أن استخدام الطاقة المتجددة في هذه المشاريع ليس مجرد خيار بيئي، بل هو الحل الأمثل من حيث الكلفة والكفاءة.
وبيّن “أن التحلية باستخدام الطاقة المتجددة تجعل كلفة المياه منخفضة بشكل كبير، وهو ما لا يمكن تحقيقه عبر مصادر الطاقة التقليدية”، مشيرا إلى أن هذا التوجه لا يخدم فقط الهدف الاقتصادي، بل يمثل خيارا بيئيا متقدما يحمي من تفاقم الانبعاثات وتداعيات التغير المناخي.
وتابع محاسنة، “لا يمكن أن نقوم بتلويث الهواء والمساهمة في تسريع التغير المناخي عبر الاعتماد على الوقود الأحفوري في مشاريع يفترض بها أن تعزز الاستدامة.. ويجب أن تكون الطاقة المتجددة هي الركيزة الأساسية لأي منظومة تحلية مستدامة، كونها وسيلتنا الوحيدة لتحقيق الأمن المائي دون الإضرار بالبيئة”.
وأوضح أن جوهر التحدي يكمن في أمن الموارد، لافتا لأن “هذا هو ما نحتاجه فعليا؛ فإذا لم نضمن أمن مواردنا المائية داخليا، فسنجد أنفسنا مضطرين للجوء إلى مصادر خارجية، سواء عبر استيراد المياه أو جلب بدائل من خارج الوطن، وهو ما يفتح الباب أمام أزمات سيادية واقتصادية محتملة”.
وأكد أهمية المضي بالتحلية عبر الطاقة المتجددة، مشيرا لأنها تمثل رافعة إستراتيجية للأمن المائي الوطني.
ولفت لضرورة أن يكون الاستثمار في هذا المسار، أولوية قصوى ضمن سياسات الدولة طويلة الأمد.
وفي التفاصيل، رأى التقرير ذاته أن ندرة المياه لم تعد قضية بيئية فقط، بل أصبحت مسألة أمن قومي واجتماعي، مسلطا الضوء على أن البنية التحتية للمياه باتت أداة دبلوماسية، حيث تستخدم بعض الدول مشاريع التحلية والسدود لبناء نفوذ إقليمي وتوسيع علاقاتها الاقتصادية.
واستعرض التقرير عددا من القطاعات الواعدة للاستثمار في البنية التحتية المائية والطاقة، والتي تشمل الشركات المطورة لتقنيات تحلية المياه مثل التناضح العكسي، ومنتجو الطاقة المتجددة “الشمسية والرياح”، وشركات البنية التحتية ذات الخبرة في تنفيذ المشاريع المعقدة في بيئات سياسية واقتصادية متقلبة.
لكنه أوصى في الوقت ذاته، بأن تكون هذه الاستثمارات مشروطة بوجود حوكمة شفافة، وتمويل واضح، وبناء قدرات محلية، مقدما قراءة دقيقة لتحوّلات جذرية تحدث الآن في البنية التحتية للمياه والطاقة في الشرق الأوسط.
ففي وقت يصنّف فيه الأردن كأفقر دولة عالميا بالمياه، ومع تزايد الضغوط الناجمة عن تغير المناخ والنمو السكاني واستقبال موجات لجوء متكررة، تبدو الحاجة ملحّة لتبني إستراتيجيات مبتكرة ومستدامة لإدارة المياه.
أيمان الفارس – الغد.