اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة جراسا الاخبارية
نشر بتاريخ: ٧ تموز ٢٠٢٥
ما فعلته بعض التيارات الدينية التي تسللت إلى بلادنا، وأقحمت الدين في العملية السياسية، يشبه -تماما - ما فعله المعالج بالرقية الشرعية، هذا الذي تم ضبطه قبل أيام بتهمة ممارسة الضرب بحجة العلاج، وفقاً للرواية المتداولة فإن «الشيخ « انقضّ على إحدى الفتيات بالضرب المبرح، مما تسبب لها في عدة كسور بالصدر، ونزيف بالكبد والطحال؛ حدث ذلك بدعوى طرد الجنّ الذي تلبسها، وأدى إلى تأخر زواجها(!)
كما تعاملَ الشيخ الذي دخل باسم الدين على خطّ الطب، ووظّفه لتحصيل بعض المكاسب المادية، تعاملت نسخ من الإسلام السياسي مع المجتمعات والدول التي تعيش فيها، رفعت شعار إصلاحها ومعالجتها من أمراضها ومشكلاتها، لكنها في الحقيقة وظفت الدين لمصالحها وحساباتها السياسية، فألحق الضرر بالدين والسياسة معاً، الأخطر أنها استخدمت أدوات «الضرب « فحاولت أن تكسر فكرة الدولة، وأن تعمق الانقسامات داخل المجتمع، ثم استنزفت طاقات كبيرة للوصول إلى السلطة، وحين وصلت،كما حصل في بعض المرات، لم تفلح في تقديم أي جديد.
لدينا عشرات الشواهد على ذلك، خذ ما حدث في الجزائر بعد العشرية الدموية؛ حركة مجتمع السلم التي انتهت إلى الفشل، خذ، ثانياً، ما حدث في السودان بعد أن انفرط عقد التحالف بين البشير والترابي، ثم بعد أن سقط نظام البشير وما واجهته السودان من تقسيم وحروب لا تزال قائمة حتى الآن، خذ، ثالثاً، ما جرى في مصر حين وصل مرسي للحكم وكيف انتهى، خذ، رابعاً، التجربة التونسية والمغربية واليمنية والعراقية، لا تنسى،بالطبع، تجارب الإسلام السياسي في فلسطين وليبيا وكذلك في بلدنا، النتيجة واحدة، لقد فشل الإسلام السياسي في خدمة الدين وفي ممارسة السياسة أيضاً.
لقد أصبح عزل النشاط الديني عن النشاط السياسي ضرورة للخروج من المعادلات والأساطير التي أسست قواعد الاشتباك السياسي في بلدنا على مدى عشرات السنين، وأصبح ضرورة للخروج، أيضاً، من أفكار احتكار الحقيقة وتخويف الآخر وربما تكفيره، هذه التي يمارسها السياسي حين يتحدث باسم الدين في السياسة، حالة الفصل بين الديني والسياسي تضمن للطرفين حدود الحركة المسموح بها والمطلوبة، الديني يتحدث باسم الله في شؤون الدين والآخرة، والسياسي يتحدث باسم الناس في شؤونهم وقضاياهم اليومية، ويضع ما يلزم من برامج وحلول لها.
أفضل ما يمكن أن نفعله لتحريك عجلة التحديث السياسي، هو إنتاج أحزاب سياسية تدور في فلك الدولة، وتقنع الأردنيين أنها ولدت من رحم مجتمعهم وحاجاتهم، وتصب في مصالحهم، ولا ترهن إرادتها لقضايا ومرجعيات خارج الحدود على حساب قضايا بلدها وأولوياته، ولا توظف الدين والأيدولوجيا لكسب العواطف وتوزيع الوعود والأوهام، هذا، بالطبع، لن يتحقق إلا إذا تم ترسيم الحدود بين السياسي والديني، وأصبح كلٌّ منهما يتحرك في مجاله.