اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
كيف يريدوا للقانون أن يتحول الى سكين يذبح المودّة
كتب فراس عوض
قبل فترةٍ قليلة خرجت إعلامية أردنية سابقة تدّعي أن زوجها سرقها. في الحقيقة، ما يهمّنا ليس ما جرى داخل بيتها، فذاك شأنٌ خاص، لكن ما أثار الدهشة هو كيف تحوّل الخلاف الشخصي إلى منبرٍ إعلاميٍّ عام، خرجت اعلامية اخرى تطالب بتعديل المادة 425 من قانون العقوبات لتسمح بتجريم 'سرقة الزوج”. فجأةً، أصبح الأمر كما لو كان ظاهرة او قضية رأي عام بين شدٍّ وجذب..تهويل وتضخيم الخاظثة،. كعادة تكتيكات النسوية المتطرفة، وكأننا في زمنٍ يبحث عن فتيلٍ جديد لتفجير مؤسسة الزواج بدل ترميمها.!
هل يدرك من يطالب بهذا التعديل أنه يفتح بابًا من الجحيم على الأسرة الأردنية والعربية؟ فالقانون ليس ساحةً لتصفية الحسابات العاطفية، ولا منصة لشرعنة الانتقام المقنّع تحت غطاء 'الحقوق”، بل وُجد ليحمي الكيان الأسري من الانهيار لا ليهدمه. هذه المادة لم تُسن عبثًا؛ بل جاءت لتصون قدسية العلاقة الزوجية التي تقوم على الثقة والمشاركة لا على الشك والاتهام.
في أكثر الدول تقدّمًا، ككندا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، لم تُدرج القوانين تهمة 'سرقة الزوج” أصلًا، لأن التشريعات هناك تدرك أن الحياة الزوجية فضاء من الملكية المشتركة والتفاهم المالي، لا علاقة مدنية بين طرفين غريبين. فالقانون الإنجليزي، مثلاً، لا يجرّم أحد الزوجين إذا استخدم أموال المنزل أو المقتنيات العائلية، لأن الأصل أن 'النية في الاستعمال المشترك” قائمة. وحتى في أمريكا، ترفض أغلب الولايات تحريك دعاوى من هذا النوع إلا في حالات الاحتيال أو الانفصال التام، لأن الإثبات مستحيل بين من يتشاركون السكن والنفقة والمصروف.
إذن، لو فُتح هذا الباب في الأردن، فسنجد أنفسنا أمام سيلٍ من الأسئلة التي لا إجابة لها: هل العلاقة الزوجية تُعامل كعلاقة شركاء في الحياة أم كعلاقة مدنية بين غرباء؟
هل سيُطالب كل زوج بإيصالات لما ينفقه على بيته، وتُوثَّق 'المحبة” في دفاتر مالية؟ كيف يمكن للقانون أن يفرّق بين 'الأخذ” و”الاستعمال”، بين 'النية المشتركة” و”القصد الجنائي”؟؟ نعم هذا ما سيكون ، الى أين تصل ؟؟!!!
من يعرف المحاكم الشرعية والجزائية في الأردن يدرك كم تغصّ بالدعاوى والافتراءات الكيدية بين المطلقين والمطلقات، فكيف لو أُضيفت إليها شكاوى 'السرقة الزوجية”؟ سنغرق في بحرٍ من الافتراءات لا يُعرف فيه الصادق من الماكر. ثم إن القانون ذاته منح المرأة ذمة مالية مستقلة، تملك وتبيع وتشتري وتقاضي من يعتدي على أموالها خارج نطاق الزوجية، وهذا بحد ذاته حماية كافية دون أن نحرق آخر خيوط الثقة بين الزوجين.
وحتى في ميزان الشريعة الإسلامية، لم تُعرف يومًا جريمة اسمها 'سرقة الزوج”، لأن الإسلام أدرك ببصيرته أن المال داخل البيت لا يُفصل عن المودّة. أقرّ للزوجة ذمة مالية مستقلة، لكنه لم يجعل بينهما جدارًا من الشك، بل أباح الأخذ بالمعروف، وجعل الأصل في العلاقة الثقة والإصلاح لا الاتهام والعقاب. فالخلاف المالي في الإسلام يُحلّ وُدّياً بالحكمة، لا بالحبس، لأن البيت ليس ساحة جنائية بل ساحة رحمة.
المشكلة ليست في المادة 425، بل في الذهنية التي تحوّل الزواج من ميثاقٍ روحيّ إلى معركة محاسبية.. الزواج ليس شركة تُدار بالآلات الحاسبة، بل وعدٌ بالسكن والرحمة. وإن غابت هذه القيم، فلن تنقذها ألف مادة قانونية. فالقانون لا يرمم قلبًا مكسورًا، ولا يعيد دفءَ بيتٍ تصدّعت جدرانه بالشك. إن أخطر السرقات ليست سرقة المال، بل سرقة المعنى من العلاقة، حين يُستبدل الأمان بالمحاضر، والمودّة بالأدلة الجنائية.












































