اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
الفريق العدوان يكتب: وصفي التل الغائب الحاضر..! #عاجل
كتب الفريق ركن متقاعد موسى العدوان -
في يوم الجمعة الموافق 28 / 11 / 2025، تصادف الذكرى الحزينة السابعة والأربعين، لاستشهاد الرجل الوطني وصفي التل، رئيس وزراء الأردن الأسبق، حيث امتدت إليه يد الغدر والخيانة، لتضع حدا لحياته، بتواطؤ مدروس من بعض الجهات الرسمية، في مدخل فندق الشيراتون بالقاهرة عام 1971.
وبهذه المناسبة، ولشدة تقديري وتعلقي بذلك الزعيم، أجد من واجبي أن أذكّر ببعض مآثر ذلك الرئيس العظيم، شهادة أمام الله وإكراما لروحه الطاهرة.
وصفي، رحمه الله، كان قوميا محبا للأردن وفلسطين، وكان يحمل مشروعا قوميا ذو هدفين : الأول بناء المجتمع الأردني على أسس سليمة، والثاني تحرير الأراضي الفلسطينية المغتصبة. ففي المجال الأول قال وصفي: ”لابد من تحديد أمراض ومشاكل المجتمع قبل محاولة بنائه، حتى إذا ما عُرف المرض أمكن معالجة الداء'. وبناء عليه حدد دولته بأن تلك الأمراض ناتجة عن صفات بعض المسئولين التي من أهمها: الاعتذارية، القططية، النعامية، والتمنّن. وهي صفات سلبية لا أجد حاجة لتفسيرها.
شكّل وصفي التل خمس وزارات ابتداء من عام 1962 وانتهاءً بعام 1970 تراوح عدد أعضاءها بين 12 – 16 وزيرا، وليس 30 وزيرا كما الحال هذا اليوم. فقدم خلالها خدمات جليلة لا ينكرها إلاّ جاحد.
كانت باكورة أعماله على الصعيد المحلي، إنشاء الجامعة الأردنية، ونفّذ خلال فترات حكمه، برنامج تنظيم الجهاز الإداري، والاهتمام بنشر التعليم في القرى والمدن. ووضع برنامج السنوات السبع للتنمية الاقتصادية، وأقر التعليم الإلزامي لجميع الأطفال، ممن هم في سن التعليم، ثم أنجز أيضا شق قناة الغور الشرقية. وقد واجه في حكومته الخامسة فترة عصيبة، تولى خلالها إعادة الأمن والاستقرار في الأردن.
ورغم مرور الزمن على استشهاد وصفي التل، إلاّ أن تلك الصفات الأربع التي بينها في تشخيصه لأمراض المجتمع، ما زالت سارية المفعول من قبل بعض المسئولين هذه الأيام، وخاصة ممن هبطوا علينا بمظلات رمادية اللون، خلال العقدين الأخيرين، فتخلفوا عن إنجاز أية مشاريع استثمارية، وتوجهوا إلى جيوب المواطنين ليفرغوها من محتوياتها الضئيلة، ويرفعوا المديونية العامة إلى أرقام فلكية، دون رحمة بالمواطنين أو وازع من ضمير.
وصفي التل كان الزعيم الوطني المخلص، الذي عشق الأردن بشعبه وأرضه وشجره، فاحترم الشعب وتواصل معه، وحرث أرضه في منطقة الأزرق وقرب بيته في الكمالية. ثم طلب من الفلاحين الأردنيين، زراعة القمح تلك السلعة الإستراتيجية الضرورية للمواطنين.
إضافة لذلك فقد وضع برنامجا لزراعة الجبال الجرداء بالأشجار الحرجية، نفذها طلاب المدارس من خلال معسكرات الشباب الصيفية، فحولها إلى غابات خضراء تسر الناظرين، لا زلنا نشاهدها في مواقع عديدة في الأراضي الأردنية. وأطلق اسمه على بعضها في وقت لاحق.
وصفي كان رئيس الوزراء الذي فتح باب مكتبه لعامة الناس يوم الثلاثاء من كل اسبوع، يستمع لشكاواهم ومطالبهم ويلبي الممكن منها. وهو من عُرف عنه خلال توليه المسئولية نظافة اليد، ومحاربة الفساد، والحفاظ على المال العام، وإنصاف المظلومين.
وقصة المواطن المعروفة، الذي قدم له طلبا للإفراج عن ابنه المسجون، فكتب وصفي إلى مدير المركز الأمني علي طلب الاسترحام: ”يلعن أبو وصفي الذي يُسجن الناس من شأنه، يُطلق سراحه فورا ”. فنفذ مدير المركز أمره وأطلق سراح السجين.
وأما الرجل الطاعن في السن الذي جاء من الكرك إلى رئاسة الوزراء، وتصادف وصوله مع قدوم رئيس الوزراء، وأشار له المرافق بفتح الطريق لدولته للوصول إلى قاعة الاجتماعات، فقد زجره وصفي، وأمسك بيد الرجل ليرتقي معه درجات القاعة، ويسأله عن طلبه، الذي كان توظيف ابنه بعد أن حصل على شهادة الثانوية (المترك). فلبى طلبه وعينه في وزارة التربية والتعليم في منطقة الكرك. وهذان نموذجان لعطفه وحرصه على مساعدة المواطنين.
وحول هدف وصفي التل الثاني، الذي كان يتمثل في تحرير الأراضي الفلسطينية المغتصبة، فقد كان ذلك محط اهتمامه وفكره، فعبّر عنه بقوله : ” إن مأساة الشعب الفلسطيني بالنسبة للأردن، ليست مأساة شعب شقيق، ولكنها مأساة الأردن وشعبه أولا وأخيرا '.
وحين سئُل اسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الشخصية العربية، التي تشكل تهديدا لإسرائيل أجاب : بأن وصفي التل هو الشخصية الأخطر على إسرائيل، لأنه كان يدعو دوما (لحرب المقاومة الشعبية ضد إسرائيل).
وقد حاول وصفي تنظيم العمل الفدائي في الأردن، وحَمَلَ خطة تحريرية مقترحة، ليعرضها أمام وزراء الدفاع العرب في القاهرة، ولكن يد الغدر والخيانة، صبغت تلك الخطة بدمه الزكي، قبل أن تصبغها دماء العدو.
لهذا أحب الأردنيون وصفي التل من شتى المنابت والأصول. وإن غاب عنا وصفي بجسمه منذ ما يقارب نصف قرن، إلاّ أن روحه الطاهرة، ما زالت تعيش بيننا وفي أفئدتنا.
ولا يسعنا في هذا اليوم وفي كل يوم من بعده، إلا أن نترحم على شهيد الوطن وصفي التل ورفاقه، ممن صدقوا العهد مع الأردن وفلسطين، ونلعن كل من تآمر عليه وخان أمته العربية، وتسبب بغياب وصفي التل، تاركا كرسيه شاغرا، لم نجد من يملأه حتى يومنا هذا..!












































