اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٨ أيلول ٢٠٢٥
بعد قصف الدوحة: كفى صمتًا أيها العرب! #عاجل
كتب كابتن أسامه شقمان
لكن سرعان ما اصطدمتُ بالواقع: بيانات متكررة، لغة مألوفة، وعبارة 'الشجب والاستنكار' التي رافقتنا نصف قرن أو أكثر، كأنها قدرٌ محتوم.
يا أمّة المليار ونصف، لقد قُصف منزل سكني في الدوحة، قلب الخليج، مدينة لم تعرف الحرب من قبل. قصفها الاحتلال الإسرائيلي بكل وضوح وصلف، كأنه يبعث برسالة إلى كل عربي ومسلم: لا مدينة عندكم محرّمة، ولا عاصمة عندكم آمنة.
فماذا كان الجواب؟ كلمات جوفاء، بيانات لا تحمل حرارة الدماء ولا ثقل الجراح. بدا وكأنّ الدم العربي مجرد خبر عاجل، وكأنّ المدن الإسلامية أحجار على رقعة شطرنج يُحرّكها الآخرون.
قصف الدوحة لم يكن قصفًا لمدينة وحسب، بل كان قصفًا للمعنى، للكرامة، للحدود الرمزية التي بقيت في وجدان الأمة. وحين تُستباح العواصم ولا تتحرك الجيوش، ولا تتغيّر المعادلات الاقتصادية، ولا يتوقف التدفق النفطي أو التجاري، فالأمر لا يعود صراعًا بين طرفين، بل امتحانًا لجوهر أمة كاملة: هل هي حية قادرة، أم غارقة في سباتها؟
ولم تكن غزة بعيدة عن هذا المشهد. فنحن على أعتاب مرور عامين على السابع من أكتوبر، وما زال الحصار والدمار والخذلان سيد الموقف. نسينا غزة أو تناسيناها، لم نقدّم سوى الاستنكار ذاته، الخطاب ذاته، العجز ذاته. كان الأمل أن تمتد اليد لتمسح الدم وتكسر الحصار، فإذا بنا نكتشف أن أقصى ما يُقدّم هو بيان، وأن التضحية الكبرى تُختزل في كلمات لا تُطعم جائعًا ولا تحمي بيتًا من القصف. وما يحدث اليوم في الدوحة ما هو إلا صورة جديدة لذات المشهد.
منذ 1973 ونحن نسمع العبارات نفسها: 'ندين ونستنكر'. نصف قرن من البكاء على الأطلال، من دفن الهزائم تحت أغطية الكلمات. أليس في ذلك ما يكفي؟ أليس في هذا التكرار ما يكشف أننا نعيش في مسرحية عبثية، بينما التاريخ يُكتب بمدادٍ من دم وخذلان؟
إن لم تُطرح اليوم الأسئلة الكبرى حول وجود الاحتلال ومعناه، فمتى؟ إن لم يُسمع صوت الشعوب الآن، فمتى؟ قصف الدوحة لم يكن حادثًا عابرًا، بل جرس إنذار أخير. إمّا أن نستيقظ على صرخة الوعي، أو نُساق جميعًا إلى مقبرة العجز حيث تُدفن الأمم التي اختارت الصمت.