اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١ حزيران ٢٠٢٥
التحكيم الرقمي في عصر النهوض الاقتصادي
كتب المحامي الدكتور محمد عبد الخالق الزعبي
يشكل التحكيم الرقمي أهمية كبيرة في حل المنازعات القابلة للتحكيم، والناشئة عن التعاملات الإلكترونية. كما يُعدّ التطور الحاصل في الأنظمة التكنولوجية داخل مؤسسات الدولة، أو ما يُعرف بـ'الحكومة الإلكترونية'، حدثًا مهمًا يُسهم بشكل احترافي في ترسيخ أهمية التحكيم الرقمي، نظرًا للتقدم في عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي يستدعي إعادة النظر في جميع التشريعات والاتفاقيات المعنية بالتحكيم الدولي، بهدف إنجاز المعاملات والفصل في القضايا المحالة إلى التحكيم ضمن فترات زمنية قياسية، وبما يتناسب مع طبيعة الأعمال الإلكترونية التي تتم عبر الإنترنت ومنصات التحكيم الرقمي المتخصصة.
وعند الحديث عن التحكيم الرقمي، لا بد من توضيح أنه يُعد وسيلة حديثة استحدثها التطور التكنولوجي لحل النزاعات المُحالة إلى التحكيم عبر الوسائل الرقمية، ووفقًا للإجراءات المعتمدة لدى منصات التحكيم الإلكترونية. وتشمل هذه الإجراءات تقديم طلبات التحكيم عبر الإنترنت، أو من خلال شبكات الاتصال الحديثة، سواء بطريقة سمعية أو بصرية، دون الحاجة إلى الحضور الفعلي أو الوجاهي لأطراف النزاع أو للمحكّمين في مكان محدد.
وقد تبنّت هذا التوجه المنظمة العالمية للتحكيم الدولي والرقمي – واشنطن، بصفتها منظمة متخصصة في التحكيم الرقمي، حيث سعت منذ تأسيسها حديثًا إلى مواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال، إدراكًا منها بأن التحكيم الرقمي بات ضرورة ملحة في ظل التغيرات المتسارعة في عالم التجارة والتكنولوجيا. وتهدف المنظمة إلى أن تكون مركزًا دوليًا متقدمًا يعكس روح العصر ويلبّي متطلبات التحكيم الدولي في صورته الحديثة والرحبة.
ويهدف هذا التوجه إلى تحقيق عدة غايات، من بينها: تقريب المسافات، وخفض التكاليف، وتسريع عملية الفصل في المنازعات، وتفادي تعقيدات التكييف القانوني للعقود الإلكترونية، مثل صعوبة تحديد المحكمة المختصة. كما يسمح بعرض النزاعات على محكّمين ذوي خبرة ومحلّ ثقة. ومع ذلك، فإن هذه المزايا تتطلب توفير ضوابط قانونية وتقنية، لا سيما في مواجهة العقبات التي تعترض التحكيم الرقمي، كالحاجة إلى تعديل التشريعات الوطنية والدولية، ومراعاة مبدأ السرية، من خلال المحافظة على سرية المعلومات، وحماية البيانات والرموز السرية الخاصة بأطراف النزاع، دون تدخل غير مصرح به من قبل الفنيين. كما يُعد من الضروري وضع اتفاقية دولية تؤكد مشروعية التحكيم الرقمي وتحميه، بما يسهم في تضييق الفجوة الرقمية بين الدول النامية في استخدام التكنولوجيا والدول المتقدمة.
وتأكيدًا على أهمية ما سبق، واستجابةً للتطورات في مجال تسوية منازعات التجارة الدولية، أكدت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) وجود استجابة واضحة وأثر ملموس للتحول الرقمي في إجراءات التحكيم، خاصة في المنازعات التجارية الدولية. كما شددت على ضرورة الاعتراف بأحكام التحكيم الرقمي الصادرة عبر الإنترنت، باعتبارها ملزمة وقابلة للتنفيذ، على غرار الأحكام الصادرة بالحضور الوجاهي.
وراعت اللجنة أهمية تعامل المحاكم الوطنية مع أحكام التحكيم الرقمي، وضرورة توافق القوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية مع القوانين الدولية ذات الصلة بالتحكيم. كما دعت إلى مراجعة اتفاقية نيويورك لعام 1958، والخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، لتشمل الأحكام الرقمية، شريطة أن تكون مستوفية للشروط القانونية وتتمتع بالسلامة الإجرائية.
كما أكدت اللجنة ضرورة تعديل أحكام القانون النموذجي للتحكيم، من خلال تفعيل مفهوم 'الكتابة الإلكترونية' وتعريفها قانونيًا، إلى جانب الاعتراف بالتوقيع الرقمي، وآليات التحقق من هوية الموقعين، ووضع معايير وضوابط قانونية لتحديد المدد الزمنية المخصصة لتسليم واستلام الأحكام الصادرة عن منصات التحكيم الرقمي.
ونظرًا للتطور التكنولوجي المتسارع، والثورة الصناعية التي تتجه نحو ما يُعرف بـ'الاقتصاد الرقمي العالمي'، وما يترتب على ذلك من تحولات جوهرية في آليات التحكيم التجاري، أصبح من الضروري على الدول، ولا سيما الدول العربية، اعتماد التحكيم الرقمي والتوسع في استخدامه، مستفيدةً من التقنيات الحديثة، خاصة في ظل ظهور عقود التجارة الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
لذا، فإن تحديث قوانين التحكيم الوطنية، ومواءمتها مع التشريعات الدولية، بات مطلبًا ملحًا لتحقيق مبدأ الكفاءة والثقة والفعالية في منظومة التحكيم الرقمي، التي أصبحت ضرورة تواكب التطورات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية.