اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
يعد الاستغفار من أفضل الطاعات التي يُقبل بها العبد على ربه، لما فيه من خير عظيم في الدنيا والآخرة، فهو سبيل لمحو الذنوب، وجلب الأرزاق، وانشراح الصدر، وتيسير الأمور.
ولم يكن الاستغفار مقتصرًا على عامة الناس، بل كان دأب الأنبياء والرسل، ومنهم سيدنا آدم عليه السلام، الذي قال: 'ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين'، فكان أول من لجأ إلى باب المغفرة والرحمة.
وقد جاء عن النبي ﷺ أنه كان يُكثر من الاستغفار، حيث قال: 'يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة'، فكان بذلك أسوةً للمؤمنين في ملازمة الذكر والاستغفار، لما له من أثر في رفع البلاء، واستجلاب الفرج، وتحقيق المطالب.
ومن الأسئلة المتكررة بين الناس: هل هناك عدد معين يجب الالتزام به عند الاستغفار لقضاء الحاجة؟ والجواب أن الشرع لم يحدد رقمًا معينًا في ذلك، إلا أن الثابت في السنة أن من التزم عددًا ثابتًا يوميًا، لا يقل عن مائة مرة، فإن هذا أدعى للاستمرارية، وأقرب إلى تحقق المراد، لأن الله يحب من العبد أن يلازم طاعته ويُلحّ في دعائه.
وجاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ قوله: 'من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ثلاث مرات، غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، أو عدد ورق الشجر، أو عدد رمل عالج، أو عدد أيام الدنيا' [رواه الترمذي].
وهذا الحديث يبرز عِظم فضل الاستغفار، حتى وإن كان بعدد قليل، ما دام صادقًا صادرًا عن قلب منيب.
وتجدر الإشارة إلى أن صيغ الاستغفار متعددة، ولكل منها فضلها الخاص، غير أن ما يجمع بينها هو صدق النية، والإلحاح في الطلب، واليقين بأن الله يسمع ويستجيب. فالمداومة على الاستغفار، مهما كانت الصيغة، طريق ممهد لتحقيق الحاجات، وبلوغ الغايات.
فضل الاستغفار في حياة المسلم
الاستغفار ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو عبادة عظيمة تحمل في طيّاتها آثارًا مباركة على قلب العبد وجوارحه، في دنياه وأخراه.
ومن أبرز ثمراته غفران الذنوب ومحو الخطايا، فالمسلم إذا استغفر ربه تائبًا، فإن الله يغفر له، وقد تكون تلك المغفرة شاملة، فيخرج العبد منها نقيًّا من ذنبه، وقد تكون مغفرة جزئية تخفّف من الذنوب دون أن تزيلها كلّها، بحسب صدق التوبة ودرجة الإخلاص فيها.
ومن بركات الاستغفار أيضًا ما يظهر في واقع الحياة من سعة الرزق، وبركة النعمة، وكثرة الخيرات، ودوام النعم.
فقد ربط الله عز وجل بين الاستغفار ووفرة المال والبنين، كما جاء في قوله تعالى:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ * وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.
وهكذا تنزل البركات من السماء، وتفيض الخيرات في الأرض، جزاءً لاستغفار العباد وتوبتهم.
وعلى الجهة الأخرى، فإن للمعاصي أثرًا سلبيًّا على الرزق، فقد يُمنع الإنسان من بعض النعم المادية، أو يُحرم من التوفيق للخير، وهو أشد أنواع الحرمان. وقد ورد في الحديث النبوي:
'إن الرجل ليُحرَم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يردّ القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر'، وهو حديث يُبرز مدى العلاقة بين الذنب وبين أثره الواقعي في حياة الإنسان.
ومن ثمرات الاستغفار كذلك نيل الجنة، وهي الجزاء الأعظم للمؤمنين التائبين، كما أخبر الله تعالى:
{أُوْلَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، فالجنة هي ثمرة الاستغفار الصادق، والعمل الصالح الذي يتبعه.
ويُضاف إلى ذلك أن الاستغفار وسيلة لتجديد الإيمان، فالذنوب تضعف القلب وتُصيبه بالظلمة، وقد تُحدث أثرًا سيئًا في النفس، كما أخبر النبي ﷺ أن الذنب يُحدث نكتة سوداء في القلب، فإذا استغفر العبد، صُقِل قلبه وعاد له نوره. ولهذا قرن الله بين التوبة والإيمان، فقال:
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ}.
فالإيمان الحق يدفع صاحبه إلى التوبة، ويُرشده إلى مواضع الزلل، ويمنعه من التمادي في العصيان.
ومن رحمة الله بعباده المستغفرين أنه يصونهم من الفضيحة يوم القيامة، فلا يُخزِيهم أمام الأشهاد، كما يفعل بالمنافقين والكافرين، بل يسترهم ويُكرمهم، لأنهم سارعوا إلى التوبة، وداوموا على الاستغفار، ولم يتمادوا في العصيان.