اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في خطوة أثارت نقاشات واسعة النطاق داخل الأوساط الدفاعية والسياسية في أوروبا، أعلنت الحكومة البريطانية عن صفقة ضخمة لشراء مقاتلات F-35A القادرة على حمل قنابل نووية من طراز B61، في ما وصفته صحيفة ذا ناشيونال الاسكتلندية بأنها “هدية بمليار جنيه إسترليني للعمّ سام”، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
وبينما تسوّق لندن هذه الصفقة باعتبارها جزءًا من التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يرى مراقبون أن القرار يحمل أبعادًا سياسية خالصة تهدف إلى كسب ودّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير الماضي بسياسات أكثر تشددًا تجاه أوروبا، أعادت رسم ملامح العلاقة بين ضفتي الأطلسي.
ووفقًا لتقرير مشترك نشرته ذا ناشيونال وياهو نيوز، المملكة المتحدة، الخميس، فإن قرار شراء 12 طائرة من طراز F-35A لم يكن بدافع عسكري صرف، بل خطوة سياسية محسوبة لتأكيد ولاء بريطانيا لواشنطن في ظل إدارة ترامب الجديدة. فالتقرير يشير إلى أن الصفقة “لا تضيف ميزة استراتيجية ملموسة، لكنها تُعدّ رسالة ولاء لحليف لا يرحم من يتقاعس عن الإنفاق الدفاعي”، في إشارة إلى انتقادات ترامب المتكررة لحلفائه الأوروبيين الذين لا يوفون بالتزاماتهم المالية داخل الناتو.
وأوضحت صحيفة الجارديان البريطانية أن الطائرات الجديدة مصممة خصيصًا لحمل القنابل النووية الأمريكية B61، ما يجعل استخدامها مرهونًا بموافقة واشنطن، وهو ما وصفه محللون بكونه “ارتهانًا نوويًا كاملًا يضع القرار العسكري البريطاني تحت المظلة الأمريكية”.
ونقلت الصحيفة عن باحثين في خدمة المعلومات النووية Nuclear Information Service ومنصة المراقبة النووية Nukewatch قولهم إن “الصفقة جاءت كرسالة سياسية للبيت الأبيض أكثر مما هي استثمار في القدرات الدفاعية الوطنية”.
وقال برنارد جراي، المسؤول البريطاني السابق عن المشتريات الدفاعية، في تصريحات لـذا ناشيونال، إن “شراء الطائرات الجديدة هو بمثابة عربون شكر باهظ الثمن لعمّ سام”، مضيفًا أن “بريطانيا تشارك فعليًا في تمويل مهمة أمريكية بحتة، فقط لتكسب رضى ترامب الذي ينظر إلى التحالفات من منظور تجاري بحت”.
هذا التوصيف لم يختلف كثيرًا عمّا أوردته الجارديان البريطانية في تحليلها، إذ أكدت أن “عودة ترامب إلى البيت الأبيض دفعت لندن لتسريع خطواتها الدفاعية لإثبات جدارتها كحليف مخلص”، مشيرة إلى أن “البيت الأبيض الجديد أعاد تعريف التحالفات الأوروبية من زاوية الولاء السياسي قبل الكفاءة العسكرية”.
ويتفق مع هذا التوجه تصريح الأمين العام لحلف الناتو مارك روته الذي قال في 20 يناير 2025، بعد ساعات من تنصيب ترامب رسميًا: “مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سنُسرّع من وتيرة الإنفاق والإنتاج الدفاعي داخل الحلف.” وهو ما نقله موقع European Newsroom، مؤكدًا أن “أوروبا تدخل مرحلة أكثر صرامة في علاقاتها الدفاعية مع واشنطن”.
وفي السياق ذاته، نشرت التليجراف البريطانية تقريرًا موسعًا أشارت فيه إلى أن حكومة كير ستارمر تسعى من خلال هذه الصفقة إلى “تأمين موقعها في الناتو وسط ضبابية الرؤية الأوروبية تجاه سياسات ترامب”. وأضافت الصحيفة أن “ستارمر يدرك أن زمن العلاقات الندية مع أمريكا قد انتهى، وأن بريطانيا بحاجة إلى إثبات انصياعها للنهج الأمريكي الجديد الذي يربط الأمن بالصفقات”.
وتُظهر الصور التي التقطت لرئيس الوزراء كير ستارمر ووزير الدفاع جون هيلي أثناء زيارتهما إلى قاعدة “توساس” الجوية في أنقرة — كما ذكرت ذا ناشيونال — أن الحكومة البريطانية أرادت تحويل الصفقة إلى حدث استعراضي، إذ التقط ستارمر “سيلفي” وسط الطيارين البريطانيين أمام مقاتلات “تايفون”، في مشهد قالت الصحيفة إنه “يحمل رمزية سياسية أكثر من دلالة عسكرية”.
من جانبه، صرّح الباحث البريطاني أوكوبي أوجونيي، مدير الأبحاث في خدمة المعلومات النووية Nuclear Information Service، لموقع ديكلاسيفايد البريطاني قائلًا: “إن ستارمر وهيلي يريدان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بإقحام سلاح الجو الملكي في مهمة نووية غير ضرورية، مكلفة ومعقدة سياسيًا، فقط لمجاراة التحالف مع ترامب.” وأضاف أن الخطوة “تمت صياغتها على عجل دون دراسة كافية لآثارها العملية أو تبعاتها داخل الحلف”.
أما الخبير العسكري لورانس فريدمان فقد حذر في تصريحات نقلتها الجارديان البريطانية من “وهم الردع النووي”، موضحًا أن “هناك وسائل كثيرة لردع الخصوم دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية”، مؤكدًا أن انخراط بريطانيا في هذه المهمة سيجعلها “تابعة بالكامل للقرار الأمريكي”.
ورأت التليجراف البريطانية في افتتاحيتها الأخيرة أن الصفقة تمثل “عودة إلى زمن التبعية العسكرية”، معتبرة أن “القرار البريطاني، رغم تبريراته الدفاعية، يضع لندن في موقف العاجز أمام أي صدام مستقبلي بين واشنطن وموسكو أو بكين، لأنها ببساطة لا تستطيع استخدام ترسانتها النووية دون إذن أمريكي”.
وتشير تقارير منصة المراقبة النووية Nukewatch إلى أن “الصفقة ليست سوى دخان سياسي لتضليل الرأي العام المحلي وإقناع حلفاء الناتو بأن لندن تخطو خطوة كبرى نحو تعزيز ردعها النووي، بينما الحقيقة أنها تزيد من تبعيتها لواشنطن”. وأضاف التقرير أن الدافع الحقيقي وراء الخطوة هو “تراجع الثقة في برنامج ترايدنت النووي الوطني ومحاولة طمأنة الأمريكيين إلى أن بريطانيا ستبقى شريكًا استراتيجيًا موثوقًا مهما تغيّرت الإدارات”.
وفي ختام تحليلها، كتبت الجارديان البريطانية أن “الصفقة النووية الجديدة لا تعبّر عن استراتيجية دفاعية بقدر ما تعكس عقلية سياسية تبحث عن رضا ترامب”، مشيرة إلى أن “ستارمر يسعى لإعادة تعريف العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة وفقًا لشروط أكثر قسوة تفرضها واشنطن”. أما التليجراف فاختتمت تغطيتها بالقول إن “بريطانيا قد تكون اشترت الطائرات، لكنها في الحقيقة وثقت الروابط في إطار تبعية جديدة وقديمة في نفس الوقت يمتد تاريخها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية”.


































