اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
أعلنت شركة إنجل للطاقة الإسرائيلية عن إبرام صفقة مع الجانب المصري لتصدير الغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب البحري، بقيمة تُقدَّر بنحو ملياري شيكل (أي ما يعادل نحو 530 مليون دولار أمريكي).
وتأتي هذه الصفقة في توقيت بالغ الحساسية سياسيًا واقتصاديًا، إذ تسعى كل من القاهرة وتل أبيب إلى تعزيز مكانتهما كمحورين رئيسيين في شبكة الطاقة بشرق البحر المتوسط، وفقًا لبلومبرج.
مصر.. مركز إقليمي للطاقة رغم العواصف
تواصل مصر استراتيجيتها الطموحة للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتسييل الغاز الطبيعي، مستفيدة من بنيتها التحتية المتطورة في محطات التسييل بإدكو ودمياط، ومن موقعها الجغرافي الذي يربط بين أسواق أوروبا وآسيا وإفريقيا.
وبحسب محللين نقلت عنهم وكالة رويترز وبلومبرج، فإن الصفقة الأخيرة تُعيد التأكيد على دور مصر كـ“بوابة” لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأسواق العالمية، في ظل غياب بنية تصديرية بديلة لدى إسرائيل حتى الآن.
كما أن هذه الاتفاقية تأتي بعد أسابيع من اضطرابات إقليمية في قطاع الطاقة بسبب التوترات في غزة والبحر الأحمر، ما جعل الأسواق تبحث عن استقرار نسبي في الإمدادات.
مصر، وفق مراقبين غربيين، تستفيد من هذا الظرف لتعزيز دورها المحوري وتأمين احتياجاتها المحلية من الغاز لتغطية ذروة الاستهلاك خلال فصل الشتاء، مع الحفاظ على تدفق الصادرات التي تدعم احتياطي النقد الأجنبي.
شركة إنجل للطاقة، وهي واحدة من أبرز الشركات الإسرائيلية العاملة في قطاع استكشاف وتوريد الغاز، أكدت في بيانها أن الصفقة مع مصر تُعد “استراتيجية” لتعزيز العلاقات التجارية في قطاع الطاقة، وتفتح الباب أمام صفقات مستقبلية أوسع.
وأوضحت الشركة أن الغاز سيُضخ عبر شبكة خطوط الأنابيب الممتدة من حقول الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط إلى مصر، مرورًا بالبنية التحتية المشتركة مع شركة دولفينوس المصرية، وهي الشريك المحلي في عمليات النقل والتسييل.
ووصفت التقارير الاقتصادية الإسرائيلية الاتفاق بأنه أحد أكبر العقود التجارية الثنائية في قطاع الطاقة منذ توقيع اتفاق تصدير الغاز الأول عام 2018، مشيرةً إلى أن قيمته البالغة ملياري شيكل تمثل مؤشرًا على متانة العلاقات الاقتصادية بين الجانبين رغم التوتر السياسي المستمر في المنطقة.
تتجاوز الصفقة الجديدة إطارها الاقتصادي لتلامس البعد السياسي، إذ تأتي في وقتٍ تبذل فيه الولايات المتحدة جهودًا دبلوماسية مكثفة لتثبيت هدنة في قطاع غزة ومنع تمدد النزاع إلى شرق المتوسط.
ووفقًا لتقارير من فاينانشال تايمز وواشنطن بوست، فإن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ناقش خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل ضرورة الحفاظ على “التدفق المستقر للطاقة” نحو أوروبا، كجزء من خطة أوسع تهدف لتأمين بدائل للغاز الروسي في ظل الحرب الأوكرانية المستمرة.
ويرى محللون في مراكز أبحاث غربية أن هذه الصفقة تُعدّ امتدادًا لمحاولة الولايات المتحدة تشجيع التكامل الاقتصادي بين دول شرق المتوسط، وخصوصًا مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، لتكوين شبكة طاقة إقليمية قادرة على موازنة النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.
الأسواق تراقب والفرص تتسع
في الأسواق العالمية، لم تمر الصفقة مرور الكرام. فقد ارتفعت أسعار أسهم الشركات المرتبطة بقطاع الطاقة الإسرائيلي بنسبة تقارب 3% في بورصة تل أبيب عقب الإعلان، كما شهدت شركات الشحن والتوريد المصرية اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين المحليين، وفق بيانات من بلومبرج الشرق.
ويرى خبراء الطاقة أن القيمة الاستراتيجية لهذه الاتفاقية لا تكمن فقط في عائدها المالي المباشر، بل في كونها تمثل رسالة استقرار للأسواق وللشركات العاملة في مشاريع الغاز شرق المتوسط. إذ تشير الصفقة إلى استمرار التعاون الإقليمي في قطاع حيوي رغم الأزمات الجيوسياسية.
البعد الإقليمي.. نحو خريطة طاقة جديدة
تزامنت هذه التطورات مع تحركات إقليمية أوسع، أبرزها مساعي منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا، لتعزيز مشاريع الربط الطاقوي وتمويل خطوط أنابيب جديدة.
ويؤكد خبراء من معهد الطاقة الأوروبي أن القاهرة باتت اللاعب الأكثر تأثيرًا في تحديد وتيرة التعاون الاقتصادي بالمنطقة، مستفيدة من موقعها ومواردها وقدراتها التسييلية الفريدة في جنوب المتوسط.
ومن المتوقع أن تسهم الصفقة في زيادة كميات الغاز الإسرائيلي المتدفقة إلى مصر بمعدل 10% خلال العام المقبل، ما يمنح القاهرة مرونة أكبر في إدارة التوازن بين احتياجاتها المحلية والتزاماتها التصديرية، خاصة مع توقعات بارتفاع الطلب الأوروبي على الغاز المسال المصري في 2026–2027.
ويرى مراقبون أن الاتفاق الجديد يشكل حلقة في سلسلة متشابكة من المصالح تجمع بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن في ملف الطاقة. فبينما تحصل إسرائيل على منفذ تصديري مضمون، تعزز مصر مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، فيما تضمن الولايات المتحدة استقرار تدفقات الغاز نحو أوروبا.
ورغم أن الصفقة ذات طابع تجاري، فإنها تحمل في طياتها دلالات سياسية عميقة حول إعادة تشكيل التوازنات الاقتصادية في شرق المتوسط، وإبراز مصر كفاعل محوري في معادلة الطاقة الجديدة التي تعيد رسم خريطة إمدادات الطاقة بالمنطقة.


































