اخبار مصر
موقع كل يوم -الدستور
نشر بتاريخ: ٩ شباط ٢٠٢٥
يُعد كتاب 'الأسطوات' للكاتب ميسرة صلاح الدين الصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع بغلاف للفنان ورسام الكارتيير المعروف هاني شمس، أحد الإسهامات النقدية والتوثيقية المهمة في مجال الأغنية العربية والمصرية، حيث يتناول بالدراسة والتحليل دور شعراء الأغنية في تشكيل المشهد الموسيقي العربي بأسلوب يجمع بين الدقة الأكاديمية والجاذبية الأدبية مما يجعله مرجعًا قيمًا للباحثين وعشاق الموسيقى على حد سواء.
ينطلق الكتاب في رحلة توثيقية شيقة عبر تاريخ الأغنية العربية، حيث يسلط الضوء على تجارب إبداعية متفردة لشعراء كان لهم أثر بارز في تطوير هذا الفن معتمدًا على المراجع الموثقة والمقابلات والمواد الأرشيفية فيقدم من خلال تحليله صورة متكاملة عن حياة هؤلاء الشعراء وأعمالهم ويبرز السياقات الاجتماعية والتاريخية التي أثرت في إنتاجهم الفني.
ويرصد الكتاب التطورات التي شهدتها الأغنية العربية منذ اعتمادها على الزجل والفلكلور الشعبي إلى أن وصلت إلى أشكال أكثر حداثة موضحًا كيف أسهم عدد من الشعراء في إثراء النصوص الغنائية وتطويرها ومن بين هؤلاء بديع خيري ومأمون الشناوي وحسين السيد وفتحي قورة وحسن أبو عتمان وعصام عبد الله وغيرهم حيث استطاعوا نقل الأغنية من البساطة التقليدية إلى مستويات أكثر عمقًا وتعقيدًا تعكس الأبعاد النفسية والاجتماعية لمجتمعاتهم.
ورغم بساطة الطرح الظاهرة في الكتاب فإنه يتناول بعمق العديد من القضايا التي كان لها تأثير مباشر على تطور الأغنية حيث يستعرض تأثير البيئة الاجتماعية على الإبداع موضحًا كيف لعبت التحولات الاجتماعية والسياسية في مصر دورًا محوريًا في صياغة رؤى الشعراء وأعمالهم كما يناقش أهمية التعاون بين شعراء الأغنية والملحنين الكبار مثل محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ومنير مراد ومحمد الموجي ومحمود الشريف وغيرهم حيث كان لهذا التعاون أثر بالغ في إنتاج أعمال خالدة بقيت في الذاكرة الجمعية لعشاق الموسيقى.
ويمر الكتاب بشكل مفصل على التحولات الأسلوبية التي طرأت على الشعراء خلال رحلتهم الإبداعية فيتناول انتقالهم من الكلاسيكية إلى الأساليب الغنائية الحديثة ويستعرض كيف تأثرت النصوص الغنائية العربية بالموسيقى العالمية ويبرز الدور الذي لعبته الأغنية في التعبير عن قضايا المجتمع مشيرًا إلى أنها لم تكن مجرد وسيلة للترفيه بل كانت أداة قوية للتعبير السياسي والاجتماعي كما كان الحال في أغاني ثورة 1919 وأغاني الستينيات الحماسية التي عكست طموحات الناس وتطلعاتهم.
ومن المعروف أن ميسرة صلاح الدين شاعر وكاتب وباحث يتميز بكتاباته التي تمزج بين الإبداع الأدبي والتحليل النقدي خاصة في مجالي الشعر والأغنية. بدأ ميسرة مشواره الأدبي في أواخر التسعينيات وشارك في العديد من الفعاليات الثقافية والندوات الأدبية وله مساهمات بارزة في الصحافة الأدبية وكتب العديد من الأغاني لفرق موسيقية مستقلة مما جعله ملمًا بتطور الأغنية العربية من الداخل وهو ما ينعكس بوضوح في كتابه 'الأسطوات'.
يمتاز 'الأسطوات ' بدقة البحث والطرح الموثق حيث يعتمد الكاتب على تحليل نصوص الأغاني واستعراضها في سياقها التاريخي والاجتماعي كما يستعين بمقابلات مع مؤرخين موسيقيين وشهادات من داخل الوسط الفني مما يضفي على الكتاب مصداقية علمية ورغم الطابع الأكاديمي إلا أن اللغة المستخدمة تجمع بين الرصانة والسلاسة مما يجعل الكتاب ممتعًا للمتخصصين ومحبي الأغنية العربية.
لا يكتفي الكتاب بسرد المعلومات فحسب بل يقدم تحليلًا عميقًا لأساليب الشعراء وطريقة توظيفهم للصور الفنية والاستعارات حيث يعكس هذا العمل كيف كانت الأغنية العربية مرآة للمجتمع وكيف أسهم شعراؤها في تشكيل الوعي الثقافي والفني وبينما قد يجد الباحثون في هذا الكتاب مرجعًا مهمًا لدراساتهم فإنه أيضًا يقدم لمحبي الموسيقى نافذة فريدة تطل على تاريخ الأغنية العربية وتطورها ودورها العميق في تشكيل الوجدان العربي مما يجعله عملًا يستحق القراءة والتأمل.