اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٧ أيلول ٢٠٢٥
قال المحامي الحقوقي مصطفى محمود، إن بداية الأزمة تعود إلى ما بعد الحوار الوطني، الذي جمع بين النظام السياسي وعدد من ممثلي المجتمع المدني والشركاء السياسيين وبعض الأحزاب المستقلة، حيث استمرت النقاشات أكثر من عام حول اقتراحات تعديل قانون الإجراءات الجنائية وإصلاح أوجه القصور فيه.
وأوضح محمود لـ'الرئيس نيوز'، أن المواطنين فوجئوا بعد فترة من انتهاء الحوار الوطني بإعلان مجلس النواب عن الانتهاء من إعداد مسودة القانون وتقديمها إلى لجنة الشؤون التشريعية، التي وافقت عليها بالفعل، مشيرًا إلى أن طريقة الإعلان أثارت الشكوك، إذ جاءت متأخرة وبدا الأمر وكأن المسودة أُنجزت بعيدًا عن الشفافية الكاملة.
غياب المشاركة وإقصاء النقابات
وأضاف أن النقابة العامة للمحامين، ونقابة الصحفيين، وكذلك نادي القضاة – على حد قوله – أعلنوا أنهم لم يشاركوا في أي مناقشات تتعلق بهذه المسودة، ولم تُعرض عليهم تفاصيلها، وهو ما أثار المزيد من الجدل والاعتراض.
وأشار إلى أن عددًا من المواد أثارت خلافًا واسعًا، وربما كانت السبب في قرار إعادة القانون، مبينًا أن أبرز هذه المواد ما يتعلق بحرمة المسكن، وضرورة وجود إذن من النيابة العامة ورقابة قضائية بمدة محددة، فضلًا عن المواد المرتبطة بالحبس الاحتياطي.
الحبس الاحتياطي وتناقضات الإصلاح
وأكد أن الحبس الاحتياطي كان من أكثر النقاط إثارة للجدل، فبالرغم من أن المسودة تضمنت تقليصًا لمدده، فإنها لم تُدخل بدائل حقيقية له، ولم تضع ضمانات تمنع الممارسات التي وُثقت أكثر من مرة، مثل ما يُعرف بـ 'سياسة التدوير'، حيث يُعاد حبس المتهمين في قضايا جديدة بعد انتهاء مدة حبسهم في القضايا السابقة.
وأوضح أن تقليص المدد من ستة إلى أربعة أشهر في الجنح، ومن ثمانية عشر إلى اثني عشر شهرًا في الجنايات، ومن أربعٍ وعشرين إلى ثمانية عشر شهرًا في القضايا الأشد عقوبة، ما زال بعيدًا عن المعايير الدولية، ولا يتوافق مع ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يعتبر الحبس الاحتياطي إجراءً استثنائيًا قصير الأمد وليس عقوبة ممتدة.
وأضاف محمود أن النص الذي يمنح المحكمة حق تصحيح الإجراءات الباطلة الصادرة عن مأموري الضبط أو النيابة يمثل خطرًا بالغًا، لأنه يفتح الباب أمام تجاوزات قد تُهدر حقوق المواطنين.
وأكد أن هذا النص يتعارض مع الضمانات الدستورية التي نصت عليها الدساتير المصرية المتعاقبة منذ عام 1923 وحتى دستور 2014، وكذلك مع الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها الدولة المصرية.
وقال إن المشروع تضمّن أيضًا مواد تُعدّ انتقاصًا من حقوق المحامين، منها النص الأولي الذي أجاز لوكيل النيابة أن يأمر المحامي بالصمت، وهو ما وصفته نقابة المحامين بالإهانة والخروج عن حدود اللياقة العامة. ورغم أن النص عُدّل لاحقًا، إلا أن المشروع ما زال يمنح النيابة سلطة التحقيق دون حضور محامٍ في بعض الحالات، ولم يرتب البطلان على غياب المحامي.
صلاحيات واسعة للنيابة ومخاوف من تجاوزات
وأشار إلى أن الأخطر من ذلك أن المشروع منح النيابة العامة الحق في منع المتهم أو محاميه من الاطلاع على أوراق القضية إذا رأت المصلحة ذلك، واعتبر ذلك كارثة حقيقية، قائلًا: 'لا يمكن أن أواجه بتهمة خطيرة وأُمنع أنا ومحاميّ من الاطلاع على أوراق الدعوى، فهذا أمر غير موجود في أي منظومة عدالة في العالم. إما أن تلتزم الدولة بضمانات المحاكمة العادلة، أو أن تعلن إلغاءها كليًا'.
وتابع أن هذه الملاحظات أثارت اعتراضات واضحة من نقابتي الصحفيين والمحامين، فضلًا عن بيانات رافضة صدرت من محامين مستقلين، وهو ما دفع مؤسسة الرئاسة إلى إعادة مشروع القانون إلى البرلمان لمراجعته.
وأكد محمود أن الدستور يمنح رئيس الجمهورية الحق في التصديق على القوانين أو إعادتها إلى البرلمان لإدخال التعديلات اللازمة، مشيرًا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي استخدم هذا الحق الدستوري بصورة طبيعية. وتساءل: 'هل سيكتفي البرلمان بتعديلات جزئية على بعض المواد، أم سيعيد صياغة القانون بشكل كامل؟'.
واستشهد بتجربة سابقة مع قانون العمل الأهلي لسنة 2019، الذي واجه اعتراضات واسعة من المجتمع المدني ولم يتم الاستجابة لها في حينه، لكن بعد عامين وخلال أحد مؤتمرات الشباب أعلن الرئيس أن القانون اتسم بالحساسية المفرطة تجاه المجتمع المدني، ووجّه البرلمان بمراجعته، ليتم تعديل بعض مواده بالفعل.
واختتم المحامي الحقوقي تصريحاته قائلًا: 'نأمل أن يحدث الشيء نفسه مع قانون الإجراءات الجنائية، وأن تُراجع مواده بما يضمن حقوق المواطنين ويعزز مسار العدالة'.