هل تتستر هيئة الإذاعة البريطانية على ترسانة إسرائيل النووية؟

كشف أداء هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تناقضا صارخا وتفاوتًا واضحًا فيما يتعلق بتغطيتها للبرامج النووية في الشرق الأوسط، حيث ركزت بشكل مكثف على برنامج إيران النووي، بينما تجاهلت إلى حد كبير كافة التفاصيل والحقائق حول ترسانة إسرائيل النووية الموثقة.

تأتي هذه الانتقادات لبي بي سي في أعقاب تغطيتها المتحيزة للحرب التي دارت رحاها في يونيو الماضي إذ نفذت إسرائيل هجمات على منشآت إيرانية في 13 يونيو 2025، تبعتها ضربات أمريكية، بدعوى منع إيران من تطوير أسلحة نووية محتملة.

وكشف تقرير لموقع 'ديكلاسيفايد يو كيه' أن بي بي سي نشرت 103 مقالات و821 قصة قصيرة عبر الإنترنت بين 13 و26 يونيو 2025 تناولت إيران وإسرائيل، لكنها ذكرت ترسانة إسرائيل النووية في 6 مقالات فقط، بينما خصصت 214 مقالًا و672 تقريرًا إخباريًا لبرنامج إيران النووي، مشيرة إلى إيران كتهديد نووي رئيسي في 92% من هذه التقارير، وتجاهلت قدرات إسرائيل النووية في 85% من تغطيتها خلال تلك الفترة. يفتح هذا التناقض والتفاوت اللافت مناقشات عميقة حول نزاهة الإعلام الغربي في تناول إحدى قضايا الشرق الأوسط بالغة الحساسية.

تغطية انتقائية: أرقام تكشف التستر

ويُبرز تقرير 'ديكلاسيفايد يو كيه' عمق تحيز تغطية بي بي سي، حيث أشار مقال نادر على موقعها الإلكتروني إلى تقديرات بوجود 90 رأسًا نوويًا لدى إسرائيل، لكنه ختم بالقول: 'لا نعرف الحقيقة المؤكدة، إذ تنفي إسرائيل امتلاك أسلحة نووية'، مؤكدًا على سياسة إسرائيل الرسمية بالغموض.

وتؤكد تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن إسرائيل تمتلك ما بين 90 و300 رأس نووي، مع قدرات تشمل تسليح طائرات إف-15 وإف-16، وصواريخ باليستية من سلسلة أريحا، وربما صواريخ كروز تُطلق من غواصات دولفين، كما أوردت دير شبيجل. وتشير نيويورك تايمز إلى تحديث إسرائيل لمفاعل ديمونة لإنتاج البلوتونيوم، لكن بي بي سي نقلت تصريحات إسرائيلية تركز على 'تهديد إيران النووي'، مما يعزز اتهامات الانتقائية.

التداعيات: تصعيد التوترات الإقليمية

وساهم صمت بي بي سي عن ترسانة إسرائيل في تفاقم التوترات الإقليمية. وتشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن تجاهل قدرات إسرائيل النووية يثير مخاوف في الشرق الأوسط، حيث تطالب إيران والدول العربية بضغط دولي لفرض الشفافية. وتؤكد رويترز أن عدم انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) يثير استياءً دوليًا، مما يعرقل جهود نزع السلاح النووي. وعبر خبراء إعلام بريطانيون عن شعور بالنفاق الواضح، مشيرين إلى أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية دون توقيع المعاهدة، بينما يُركز الإعلام الغربي على إيران فقط، مما يعزز انعدام الثقة في الإعلام.

انتقادات الخبراء: أزمة المصداقية

وانتقد الدكتور توم ميلز، أستاذ بجامعة أستون، بي بي سي، مؤكدًا أنها تفشل في تقديم سياق موضوعي في السياسة الخارجية، مما يضلل الجمهور.

وسلطت الجارديان الضوء على تحليلات بي بي سي المطولة حول صواريخ إيران، بينما تتجاهل قدرات إسرائيل مثل صواريخ أريحا ذات المدى 1500 ميل. ردت بي بي سي على ديكلاسيفايد يو كيه بأن تركيزها على إيران يعكس 'القضية الأكثر إلحاحًا'، لكن هذا أثار استهجان خبراء الإعلام، إذ وصف أحدهم الرد بـ'محاولة ضعيفة لتبرير التحيز'. ويشير خبير إعلامي آخر إلى أن صمت الغرب عن أسلحة إسرائيل يظهر نفاقًا، مؤكدًا أن إسرائيل تشكل خطرًا نوويًا أكبر.

تاريخ الغموض النووي: سياسة إسرائيل المتعمدة

وتتبع إسرائيل سياسة 'الغموض النووي' منذ الستينيات، رافضة تأكيد أو نفي امتلاكها أسلحة نووية. وأكدت نيويورك تايمز أن إسرائيل طورت برنامجها النووي في مفاعل ديمونة بدعم غربي في الخمسينيات. يسمح هذا الغموض، حسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لإسرائيل بتجنب المساءلة الدولية مع الحفاظ على ترسانة نووية متقدمة. يؤكد خبراء إعلام بريطانيون أن إسرائيل تستخدم هذه السياسة لتفادي التدقيق الدولي، بينما تتجنب بي بي سي مناقشتها لأسباب سياسية محتملة.

تشكيل الرأي العام

ويؤثر صمت بي بي سي على الرأي العام بشكل كبير. تشير واشنطن بوست إلى أن التركيز المفرط على إيران كتهديد نووي يشوه الحقائق ويعزز رواية غربية. يؤكد خبراء إعلام بريطانيون أن الإعلام الغربي يصور إيران كالخطر الوحيد، متجاهلًا أسلحة إسرائيل، مما يظهر تحيزًا. تطالب دول مثل مصر والأردن بمنطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، مشيرة إلى إسرائيل كعقبة رئيسية.

تأثير عالمي: عرقلة نزع السلاح

كما تؤكد تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن غياب الشفافية حول ترسانة إسرائيل يعيق جهود نزع السلاح النووي عالميًا. تشير رويترز إلى أن عدم انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي يثير استياءً دوليًا. تحذر واشنطن بوست من أن الصمت الإعلامي يقوض الثقة بين الدول، مما يدفع إلى مطالبات بضغط دولي لفرض الشفافية.

دعوة للعدالة الإعلامية

ووضع تقرير ديكلاسيفايد يو كيه بي بي سي تحت المجهر، ويثير تساؤلات حول دور الإعلام في تشكيل الرأي العام. يستمر الجدل، وتتزايد الدعوات لصوت إعلامي عادل يعكس الحقيقة دون تحيز، فيساهم في استقرار المنطقة والعالم.

التأثيرات الدبلوماسية

وتشعل تغطية بي بي سي الانتقائية التوترات الدبلوماسية. تشير رويترز إلى أن دول المنطقة، مثل السعودية، تطالب بمساواة في التعامل مع البرامج النووية، معبرة عن استيائها من صمت الإعلام الغربي. وتؤكد الجارديان أن هذا الصمت يعيق جهود بناء الثقة بين الأطراف الإقليمية، مما يعرقل الحلول الدبلوماسية.

ضرورة إصلاح الخطاب الإعلامي

يدعو خبراء الاعلام إلى إصلاح شامل في تغطية قضايا الشرق الأوسط. وطالب الدكتور توم ميلز بتوفير سياق متوازن يعكس الحقائق دون تحيز. تؤكد واشنطن بوست أن الإعلام الغربي، بما في ذلك بي بي سي، يتحمل مسؤولية تعزيز الشفافية. يشدد خبراء إعلام بريطانيون على ضرورة محاسبة وسائل الإعلام، مؤكدين أن بي بي سي يجب أن تقدم تقارير عادلة تظهر الحقيقة كاملة واضحة وضوح الشمس.