اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
في ميدان صغير وسط تل أبيب، ارتفعت أصوات العائلات الإسرائيلية التي تنتظر أبناءها الأسرى في غزة، الذين لوّحوا بصور ابنائهم وذويهم، وصرخوا في وجه عدم اليقين وطول غيابهم عن منازلهم، وتشبثوا بأي خيط من الأمل، وفي تلك اللحظة، كان مبعوثا الإدارة الأمريكية؛ جاريد كوشنر وستيف ويتكوف يشقّان طريقهما إلى القاهرة، حامليْن على أكتافهما واحدة من أكثر المهام الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط تعقيدًا، أي التفاوض بشأن إطلاق سراح الرهائن وإعادة ترتيب أوراق واشنطن في المنطقة التي لم تهدأ يومًا.
وقد نقلت صحيفة نيويورك صن أن الوفد الأمريكي تحرّك في أعقاب اجتماعات مكثفة في تل أبيب مع مسؤولين إسرائيليين وأسر الرهائن، متجهًا إلى القاهرة للقاء كبار المسؤولين المصريين، في محاولة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل من أجل صفقة تبادل تراعي الأبعاد الإنسانية والسياسية في آن واحد.
أما في القاهرة، فقد استقبل الوفد الأمريكي بنهج دبلوماسي مدروس، يعكس إدراك القيادة السياسية تمامًا أن هذا الملف لا يُدار بالصخب أو التصريحات بل بالصبر والحنكة، وبخطة دقيقة، وأبقت القاهرة القنوات مفتوحة مع جميع الأطراف طوال عامين.
وأرادت القاهرة أن تذكّر الجميع بأنها ما زالت الوسيط الأكثر موثوقية في قضايا الشرق الأوسط، وأن حضورها لا يُختزل في دور الميسّر بل في موقع الضامن الذي لا يمكن تجاوزه.
وفي المقابل، دفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا التحرك كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تموضع واشنطن في الإقليم. لم يكن الهدف الإنساني منفصلًا عن الحسابات السياسية، فكل خطوة محسوبة بدقة على رقعة شطرنج دولية تتغير موازينها بسرعة.
ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب أراد أن يرسل رسالة واضحة: أمريكا لا تزال قادرة على التأثير، لكنها هذه المرة تتحرك بوجوه مألوفة، لا عبر الدبلوماسية التقليدية بل عبر رجال الصفقات.
ويحاول كوشنر من موقعه المقرّب من الرئيس الأمريكي أن يعيد إنتاج صورته كمهندس لاتفاقيات الشرق الأوسط الجديدة. فالرجل الذي قاد عملية التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية قبل سنوات، يسعى الآن إلى إنجاز دبلوماسي يعيد إليه وهج النجاح القديم. أما ويتكوف، فيلعب دور المنسق الهادئ الذي يربط بين الملفات، ويقدّم للبيت الأبيض تقارير ميدانية حول استعدادات الأطراف وتوجهاتها الحقيقية بعيدًا عن العناوين أو التصريحات الرسمية.
لكن داخل إسرائيل نفسها، تصاعدت موجات الغضب الشعبي. خرجت عائلات الرهائن إلى الشوارع، واتهمت الحكومة بالتقاعس والتسييس. وقال بعضهم إن حكومة نتنياهو تماطل عمدًا لأسباب انتخابية، بينما اتهم آخرون واشنطن بعدم ممارسة أي ضغط حقيقي.
وشعر كثيرون أن المفاوضات باتت تدور في حلقة مغلقة، وأن الرهائن أصبحوا ورقة في صراع الإرادات السياسية بين تل أبيب وواشنطن.
وفي هذه الأجواء المشحونة، تمسكت القاهرة بخيوط الوساطة، واقترحت صيغة مرحلية تبدأ بالإفراج عن النساء والأطفال مقابل تسهيلات إنسانية داخل غزة، ثم الانتقال لاحقًا إلى اتفاق أوسع يشمل هدنة طويلة. وقد أبدى كوشنر تفهّمًا للمقاربة المصرية، واعتبرها أكثر واقعية من الموقف الإسرائيلي المتصلب.
وحرصت القاهرة على ألّا تنحاز لأي طرف، بل على أن تثبت أن قدرتها على المناورة السياسية تفوق قدرة كثير من العواصم الأخرى. لكن التحديات لم تتوقف عند حدود غزة. فالتوتر المتصاعد على الجبهة اللبنانية، والغضب الشعبي في الشارع العربي، والاحتجاجات الأوروبية المناهضة لإسرائيل، كلها عوامل زادت من تعقيد مهمة الوساطة.
ووسط هذا الزخم، حاول كوشنر وويتكوف أن يقدما نفسيهما كوسطاء من خارج البروتوكول الدبلوماسي التقليدي، فهما يتحركان بسرعة ومرونة، ويستندان إلى شبكة علاقات شخصية تمتد من واشنطن إلى الخليج.
أما القاهرة، فتعاملت مع الملف كاختبار جديد لدبلوماسيتها التي اعتادت أن تتنفس بهدوء شديد في أجواء الأزمات.
وتعاملت بهدوء وثقة، واثقة من أن النجاح سيعيد تثبيت موقعها كقلب الوساطة الإقليمية، وأن الفشل سيكلفها سياسيًا في لحظة شديدة الحساسية. لذا حافظت على توازنها الدقيق بين الحزم والتفاهم.
وفي داخل إسرائيل، تواصلت الخلافات بين الوزراء حول مدى قبول أي صفقة تُبرم عبر القاهرة. المتشددون حذروا من أن التنازلات قد تُفهم ضعفًا، والمعتدلون اعتبروا أن استمرار احتجاز الرهائن دون أفق سياسي يهدد استقرار الحكومة. وبين التيارين، بقي نتنياهو يناور بحذر محاولًا كسب الوقت بين ضغط الشارع وغضب واشنطن ومطالب القاهرة.
تجدر الإشارة إلى أن هدف المحادثات المجدولة بين إسرائيل وحماس يتمحور حول التوصل لاتفاق بشأن إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة. يأتي هذا التحرك بعد ضغوط شعبية ودولية مكثفة، خاصة من عائلات الرهائن، ويستند إلى مقترح خطة أمريكية لإنهاء الحرب.
تتضمن الخطط المطروحة عادةً الإفراج عن الرهائن (الأحياء والمتوفين) مقابل وقف إطلاق نار، وإطلاق سراح أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم محكومون بأحكام طويلة.
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية الحالية، لا تزال المفاوضات محفوفة بالتحديات، حيث تصر حماس على إنهاء كامل للحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية، وهو شرط يعارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تعهد بمواصلة القتال حتى هزيمة الحركة.
وتشير التطورات الحالية إلى وجود أمل حذر في التوصل لصفقة تبادل شاملة. وقد أعرب نتنياهو عن تفاؤله بإمكانية إعلان الإفراج عن جميع الرهائن 'في الأيام القادمة'.
مع ذلك، فإن تفاصيل الاتفاق، خاصة ما يتعلق باستمرارية وقف إطلاق النار ومستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب، لا تزال هي نقاط الخلاف الرئيسية.
ويترقب المجتمع الدولي والأطراف المتصارعة، بالإضافة إلى الفلسطينيين في غزة، نتائج هذه المحادثات التي قد تقود إلى هدنة فورية وتبادل شامل، أو قد تنهار لتعود الأوضاع إلى التصعيد في حال عدم تلبية الشروط المتبادلة.