منى أحمد تكتب: إنها مصر

تظل الأمة المصرية هي الفارقة في صمام أمن المنطقة العربية، شاء من شاء و أَبَى من أَبَى  بحكم التجذر التاريخي وعمق الشخصية المصرية صانعة الحضارة.

بحسابات التاريخ لم تستطع دولة أن تصمد شامخة في وجه التحديات الكبرى والنكبات الاحتلالية والأزمات الطاحنة مثلما استطاعت الدولة المصرية.  

فمصر بحضارتها الضاربة في عمق التاريخ لأكثر من 7000  سنة، لم تستطع أي قوة  توافدت عليها مهما كان بأسها أن تكبحها، بل استطاعت مصر بمكوناتها الفريدة أن تمتص كل الثقافات الوافدة المتعاقبة عليها عبر تاريخها ،تستوعبها لتذوب داخل هوامش خصوصيتها المتأصلة. 

مصر الأقوى والأعمق أصالة تـمصر كل جديد  تبتلعه وتهضمه وتفرزه ،مشكلة إياه منتجا مصريا وسطيا صميما ،ولذلك لم تستطع الموجات الاستعمارية التي توالت عليها أن تقهر الهوية المصرية، التي شكلت حائط صد منيع ضد كل من حاول الاقتراب من مفرداتها الوجودية.

 أتفق أغلب من تناولوا الشخصية المصرية علي عمق وتنوع التراث الحضاري للشخصية المصرية ،الذي أضفي عليها نوعا من التفرد وجعلها غير قابلة للاختزال أو القسمة ،مهما كانت قوة الضغط الأمر الذي جعلها تحافظ علي ثوابتها عبر آلاف السنين.

وهو ما أكد عليه دكتور جمال حمدان بمجموعته الأشهر شخصية مصر ،التي تمحور حولها عمله الموسوعي وخلص إلي عبقريتها ،التى استطاعت أن تتخطي فوارقها المتباينة وأهمها العقائدية والعرقية،واستوعبت هذا التعدد في تفاصيلها لتنصهر داخل بوتقة الخصوصية المصرية.

وجاء التنوع ليضفي تفردا علي الهوية المصرية ،فهي ليست إسلامية أو مسيحية فحسب أو فرعونية فقط ، أو متوسطية و أفريقية لا غير، إنما هي خليط من ذلك وذاك.

وأقترب د.لويس عوض من هذه الرؤية ،حيث ذهب إلى أن الهوية المصرية خليط متجانس تكون من مجموعة طبقات ورقائق متتالية ،قاعدتها الفرعونية والتي استندت عليها الحضارات المتتالية يونانية ،رومانية ،وقبطية، ثم إسلامية فعربية فأوربية  ،وقد امتزجت كلها في سبيكة واحدة مختلفة العناصر طيعة التناغم ،ترتكز علي ماض عريق لمصر الفرعونية وكان هذا هو سر أسرار تنوعها الفريد.

بينما استطاعت الهوية المصرية أن تحافظ علي تماسكها وفق رؤية د.طه حسين في كتابه الأبرز مستقبل الثقافة المصرية، بقدرتها علي إعادة إنتاج ذاتها من الداخل.

حيث يرى أن الهوية المصرية ظلت تحافظ علي حريتها دون جمود ،تتشكل وفق معطياتها  دون أن يستطيع أحد تشكيلها عنوة أو قهرا ،فهذا الأصيل وفق رأي عميد الأدب العربي علي مدار حضارته الممتدة لم يتحول من نص مقدس إلي مطية.

أما د.ميلاد حنا فذهب في كتابه الأعمدة السبعة للشخصية المصرية، إلي أن تنوع انتماءات الشخصية المصرية جعل لها سحرا خاصا وتميزا استثنائيًا،وهو تنوع جمع بين التاريخ والجغرافيا وبين الزمان والمكان.

فعلي مدار التاريخ تعاقبت عليها أربع حضارات ،لكن ظل الانتماء الأصيل للحضارة الفرعونية الأم ،هو الحاضنة لكل ما تلاها من حضارات.

وكان التعدد العقائدي ملمحا أخر أكثر تمبيزا في الحالة المصرية، تنوع بين القبطي والإسلامي ولكنه تشكل وفقا للهوية والهوي المصري.

واﻷﻋﻤدة اﻟﺴﺒﻌﺔ كما يري د.حنا ﻤوﺠودة داﺨﻝ ﻛﻝ منا ﺒدرﺠﺎت ﻤﺘﻔﺎوﺘﺔ، تختلف باختلاف الرؤي والاﻨﺘﻤﺎءات فلكل منا خاصته المتفردة ،وانتمائه الديني والأيدلوجي الذي قد يقترب كثيرا أو يبتعد قليلا ،بتغير المراحل والنشاة والظروف اﻠﻤﺠتمعية ،لكنها تظل في أطر مشتركة حاضنة لكل هذة التباينات والمقاربات.

الأعمدة السبعة قد لاتتساوي بذات القدر،لكنها تظل ﻤﺴﻴطرة ﻋﻠﻰ التركيبة الجينية ﻟﻛﻝ ﻤﺼرى مكونة للهوية المصرية التي لخصت عبقرية الشخصية المصرية التي تقبع داخل حدود الدولة المحورية عمود الخيمة في البعد الجغرافي والإقليمي.