اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
انتعاشة إنتاجية ورغبة في تقديم موضوعات وقضايا جادة تبتعد عن التوليفة التقليدية
يصنف الموسم الشتوي للسينما المصرية بأنه باهت، إذ تعرض فيه الأعمال القليلة الكلفة التي هربت من المنافسة الصيفية الطاحنة، إذ عادة ما يختار الموزعون الأفلام الكبيرة للعرض في موسمي الصيف وعيد الأضحى، لكن في الأعوام الأخيرة أصبحت أفلام الصيف لا تتعدى السبعة أفلام، بينما موسما الخريف والشتاء يستقبلان الكم الأكبر من الأعمال ذات الجودة المتباينة، على رغم تزامن هذه الفترة مع انطلاق العام الدراسي، واللافت أن هذا التحول يظهر بصورة واضحة للغاية هذا العام، كما قطار العروض بدأ من سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ من المتوقع أن يصل عدد الأفلام المعروضة خلال هذا الموسم إلى نحو 15 فيلماً، بينها أفلام كبيرة ومنتظرة، كذلك فإن العدد مرشح للزيادة.
ومن المعروف أنه مع موضة 'الأوف سيزون' بات موسم الخريف من أكثر المواسم ثقلاً في الدراما التلفزيونية بعيداً من شهر رمضان، حيث تتسابق المنصات على عرض المسلسلات القوية، لجذب المشاهدين الراغبين في متابعة قصص مختلفة وقضايا جريئة ربما لا يتحملها ولا يتسع لها الموسم الرمضاني، في وقت تهب فيه نسائم البرودة وتكون الأجواء ملائمة للجلوس ومشاهدة حكايات مسلية، لكن على ما يبدو أن تلك العادة انتقلت بصورة مفاجئة لصناع الأفلام أيضاً، فما الذي تغير وجعل بوصلة الموزعين والمنتجين تصنع موسماً سينمائياً غير اعتيادي في مصر؟
ستة أفلام عرضت على التوالي أخيراً، هي 'ضي، وهابي بيرث داي، وماما وبابا، وهيبتا: المناظرة الأخيرة، وأوسكار عودة الماموث، وفيها إيه يعني'، إذ بدأ السباق منذ خمسة أسابيع تزامناً مع انطلاق الموسم الدراسي الذي كان يهرب منه الموزعون خوفاً من عزوف المشاهدين عن الذهاب للسينمات بسبب ضغوط الدراسة المادية والذهنية أيضاً، لكن المفاجأة أن دور العرض استقبلت الأعمال بزخم كبير، والإيرادات حتى الآن تبدو مبشرة، إذ حقق الفيلم الرومانسي 'هيبتا' بطولة منة شلبي وجيهان الشماشرجي وإخراج هادي الباجوري، بموسمه الثاني الذي يأتي بعد تسعة أعوام من نجاح الجزء الأول، 13 مليون جنيه (275 ألف دولار أميركي)، خلال أربعة أيام فقط من عرضه، بينما تجاوزت إيرادات فيلم 'فيها إيه يعني' الـ30 مليون جنيه (638 ألف دولار) في أقل من أسبوعين.
والأخير لا يضم في قائمة أبطاله من يطلق عليهم 'أبطال شباك تذاكر' بالمعنى التقليدي، إذ يشترك فيه ماجد الكدواني، إلى جانب غادة عادل وأسماء جلال وميمي جمال، وهو من إخراج محمد رشدي حامد، وتأليف وليد المغازي ومصطفى عباس، ومحمد أشرف الذي يعتقد أن تجربة عمل الفيلم من بدايتها وحتى اللحظة يمكن أن يطلق عليها مغامرة، بدءاً من قرار المنتج أحمد الجنايني بالحماس للفكرة التي يكتبها شباب في بداية مشوارهم مع السينما، مروراً أيضاً بفكرة اختيار توقيت العرض.
يشدد محمد أشرف على أن الحالة بأكملها شملت أوجهاً كثيرة من المخاطرة والجرأة، سواء في ما يتعلق بالأبطال أو الموضوع الذي يتحدث عن قصة تشبه عموم الناس في بساطتها ومدى صدقها وقربها من شرائح كبيرة من الجمهور، متوقعاً أن عرض الفيلم في بداية الموسم الدراسي أي قبيل الانشغال بالاختبارات أسهم أيضاً في الإقبال عليه وعلى أفلام أخرى معروضة في الفترة نفسها، مشيراً إلى أن الجمهور الأكبر للسينما هم الأصغر سناً ما بين طلبة الجامعات والثانوية العامة، وهم بطبيعة الحال في مستهل السنة الدراسية، ولديهم استعداد للخروج للسينما.
أحداث فيلم 'فيها إيه يعني' تدور في إطار اجتماعي كوميدي، وبه لمحات رومانسية، إذ تكشف جوانب يمكن أن يمر بها أي شخص، ويفتح العمل نقاشاً هادئاً حول فكرة الخضوع لأحكام المجتمع وضرورة مناقشة ما يعتبر مسلمات، بينها الخجل من الحب في مرحلة ما بعد الشباب، من خلال أفراد يعيشون في طبقة متوسطة قريبين من الفئة الأكبر من المجتمع.
الحكايات من هذا النوع بطبيعة الحال تكون خارج اعتبارات شباك التذاكر في موسمي العيدين 'الأضحى والفطر' والصيف، إذ يستهدفون جمهوراً يبحث عن الأكشن والكوميديا الخالصة، ولهذا كان يجرى إرجاء الأفلام ذات الموضوعات من هذا النوع إلى موسم إجازة منتصف العام، الذي يرتبط زمنياً بعيد الحب أيضاً، والجديد هو استباق تلك المواعيد، موسم كسر التوقعات وربما الثوابت.
يرى الناقد الفني محمد عبدالرحمن أن هناك أسباباً عدة وراء هذا الزحام الفني المحمود في سوق السينما في مصر، أبرزها وجود انتعاشة بالفعل في سوق الإنتاج خلال الفترة الأخيرة، مما ترتب عليه إنتاج نوعيات عدة من الأفلام التي لا تنطبق عليها الشروط التقليدية الصارمة لأفلام المواسم الأساسية، وهي عادة تعرض في موسم الشتاء أو ما يطلق عليه موسم إجازة منتصف العام في محاولة لاستقطاب الجماهير الباحثة عن استراحة موقتة من الدراسة، بخاصة أن الطلاب هم الجمهور المستهدف عادة من قبل دور العرض.
ويضيف عبدالرحمن 'عادة كان يبدأ هذا الموسم في نهاية العام ونسميه موسم الاختبارات، إذ تعرض فيه أعمال ذات طابع غير جماهيري بالمعنى المعروف، لكن كان عددها قليلاً ومحدوداً للغاية وذات موازنات منخفضة، ما حدث أن هناك وفرة إنتاجية، ولم يعد هناك مجال للتأجيل، فاضطر الصناع إلى طرحها تباعاً منذ نهاية أغسطس (آب) في محاولة لفتح باب آخر للمنافسة'.
النشاط السينمائي في تلك الفترة لم يقتصر على عروض قاعات السينما المباشرة فحسب، إنما أيضاً عروض المهرجانات، إذ إن التظاهرات السينمائية تبدأ في مصر هذا الشهر مع مهرجان الجونة السينمائي، وبعدها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إذ سيشهد المهرجانان عرض أفلام مصرية جديدة من المقرر أن تجد طريقها إلى دور العرض أيضاً، وأبرزها 'السادة الأفاضل' الذي يعرض في مهرجان الجونة السينمائي بدورته الثامنة من إخراج كريم الشناوي الذي كان قد افتتح السباق بفيلم إنساني حصد جوائز وإشادات عدة هو 'ضي' بطولة إسيل عمران وإسلام مبارك وتأليف هيثم دبور، ليستكمل مشاركاته في الأسبوع الأخير من هذا الشهر بفيلم كوميدي اجتماعي من بطولة محمد ممدوح، وطه الدسوقي، وأشرف عبدالباقي وهنادي مهنا.
إضافة إلى فيلم 'بنات الباشا' الذي يعرض ضمن مسابقة 'آفاق' بالدورة الـ46 لمهرجان القاهرة التي ستنطلق في الـ12 من نوفمبر (تشرين الثاني)، وتدور أحداثه في أجواء قاتمة ومشوقة وتستعرض قضايا نسائية ضاغطة، من إخراج محمد جمال العدل وبطولة زينة وتارا عبود وناهد السباعي وأحمد مجدي، عن رواية لنورا ناجي، وسيناريو وحوار محمد هشام عبية، الذي يقول 'أعتقد أن موسم الشتاء هو موسم الأفلام التي توصف بأنها تقدم تجارب غير تجارية بصورة واضحة بالضرورة'، مشيراً إلى أن مشاهد السينما في الشتاء يميل للبحث عن نوعية أخرى من الأفلام تناسب أجواء هذا الفصل.
ولهذا يرى عبية أنه ربما يكون من المناسب عرض أفلام ذات إنتاج متوسط أو حتى ضخم، لكنها لا تتبع معادلة الفيلم التجاري التقليدي بصورة كاملة، لكنه يبدو متفائلاً بهذا التحول الذي جعل من موسم كان هامشياً وباهتاً تماماً إلى لاعب أساس في سباق التسويق السينمائي، متابعاً 'تفاعل الجمهور وربما الإيرادات أيضاً قد يجعل من هذا الموسم استثنائياً، وفاتحة خير على الصناع، لأن السينما التجارية مطلوبة طبعاً وهي صاحبة دورة رأس المال الكبيرة والحامية للصناعة، لكنها يجب ألا تكون هي النوع الوحيد السائد، لأني أظن أن الجمهور صاحب ذائقة تستوعب كل الأنواع، وهو توازن صحي ومطلوب'.
أفلام الموسم تنوعت بين الكوميدي والجريمة والاجتماعي والرومانسي، كذلك فإنها فنياً تتوافر فيها عناصر قوية وكثير منها اختير ليعرض في مهرجانات سينمائية مهمة، إذ إن فيلم 'هابي بيرث داي' الذي يمثل مصر في سباق الأوسكار يعرض في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي 2025، كذلك هناك أعمال تحظى باهتمام جماهيري حتى من قبل عرضها، قد حجزت مواعيدها خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة وبينها 'السلم والثعبان – لعب عيال' لعمرو يوسف وأسماء جلال وإخراج طارق العريان، الذي يعتبر من أبرز الأعمال التي ينتظرها المتابعون، إذ يأتي الجزء الثاني من الفيلم بعد نحو ربع قرن من النجاح الضخم الذي حققه موسمه الأول، و'جوازة ولا جنازة' بطولة نيللي كريم ولبلبة، و'إن غاب القط'، و'وتر واحد' وكلاهما من بطولة آسر ياسين، و'برشامة' لهشام ماجد، وبعدها 'الجواهرجي' لمحمد هنيدي ومنى زكي المؤجل منذ أعوام طويلة.
كذلك يأمل كثر أن تشارك منى زكي في السباق بفيلمها الكبير الذي يتشوق له الجميع 'الست' الذي يتردد أنه سيعرض أيضاً في نهاية الموسم، إذ تؤدي فيه شخصية كوكب الشرق أم كلثوم عن قصة لأحمد مراد وإخراج مروان حامد، كذلك من المتوقع عرض فيلم 'الست لما' ليسرا ودرة وياسمين رئيس في الفترة نفسها، فعلى ما يبدو أن الموسم سيظل مستمراً ويمتد لتلتحق به أفلام إجازة منتصف العام التي تنطلق عادة في يناير (كانون الثاني).
المشهد بهذه الصورة يشير إلى أنه إذا استمرت معدلات الإنتاج بهذا المنوال فسيكون الموسم السينمائي المصري ممتداً طوال العام تقريباً، ووفقاً للمؤلف محمد أشرف، فهي فرصة لفتح الباب لتقديم أعمال مختلفة ومبتكرة ولا تخضع للعوامل التقليدية في الطرح، بخاصة إذا جاءت إيرادات شباك التذاكر مرضية للفريق الإنتاجي، ويشير إلى أن فيلمه 'فيها إيه يعني' بدأ من فكرة بسيطة للغاية، ولم يكن الغرض منه البحث عن تيمة مركبة، إذ يبدي سعادته بأنه ينتمي إلى نوعية المشاهدة العائلية، وهو أمر لا تتمتع به غالبية الأعمال المشاركة في السباق الحالي.