اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في أعقاب دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، برزت قضية مقاتلي حماس العالقين في المناطق الفاصلة بين القطاع والحدود الإسرائيلية كأحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا.
هؤلاء المقاتلون، الذين خرجوا من مواقعهم خلال المعارك الأخيرة، وجدوا أنفسهم محاصرين في مناطق رمادية لا تخضع لسيطرة واضحة، وسط غياب ضمانات أمنية تتيح لهم العودة أو الخروج الآمن.
هذا الوضع كشف عن صدام ثلاثي بين الإرادات السياسية لكل من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، في ظل سعي واشنطن لتثبيت الهدنة التي أبرمت وفق خطة من عشرين بندًا قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفقًا لصحيفة تورنتو ستار الكندية.
تركيا: الوسيط الحذر في ملف بالغ الحساسية
تعمل تركيا مع الولايات المتحدة والوسطاء العرب من مصر وقطر لتوفير ممر آمن لنحو مئتي من مسلحي حماس المتحصنين في أنفاق داخل مناطق تسيطر عليها إسرائيل في غزة. وأكد مسؤولان تركيان، أحدهما المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، أن أنقرة تتوسط في المحادثات بشأن مصير هؤلاء المقاتلين، دون الإفصاح عن تفاصيل إضافية.
هذا الدور التركي يعكس رغبة أنقرة في الحفاظ على نفوذها في الملف الفلسطيني دون الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي لم ترد على طلبات التعليق بشأن الوساطة التركية.
ولكن الوساطة التركية لا تقتصر على الجانب الإنساني، بل تحمل رسائل سياسية تتعلق بموقع تركيا في معادلة غزة الجديدة. فأنقرة، التي تسعى لاستعادة دورها الإقليمي بعد سنوات من التوتر مع دول الخليج، ترى في هذا الملف فرصة لإعادة التموضع، خاصة في ظل غياب مشاركة إماراتية في القوة الدولية المقترحة وفتور مصري تجاه ترتيبات ما بعد الحرب.
إسرائيل: لا ضمانات ولا ممرات
من جانبها، ترفض إسرائيل تقديم أي ضمانات أمنية لهؤلاء النشطاء، وتعتبرهم أهدافًا مشروعة بموجب قواعد الاشتباك المستمرة.
وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في خطاب أمام الكنيست إن إسرائيل عازمة على فرض اتفاقات وقف إطلاق النار بيد من حديد، مشيرًا إلى أن أي قرار بشأن غزة سيتخذ بالتنسيق الكامل مع إدارة ترامب.
كما أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية شوش بدرسيان أن المرحلة الثانية من خطة ترامب تشمل نزع سلاح حماس وتجريد غزة من أي قدرة عسكرية، وضمان ألا يكون للحركة أي دور في مستقبل القطاع.
وأضافت أن إنشاء قوة دولية لحفظ الاستقرار هو جزء من هذه المرحلة، وتتم مناقشة تفاصيلها بالتنسيق مع واشنطن. وقد شددت حماس على أن التخلي عن سلاحها يبقى خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
هذا الموقف الإسرائيلي يعكس رغبة واضحة في فرض شروط المنتصر وتثبيت معادلة أمنية جديدة في غزة، لا تسمح بعودة حماس إلى المشهد العسكري أو السياسي. كما ترى تل أبيب في ملف النشطاء العالقين فرصة لتصفية حسابات ميدانية، دون أن تتحمل تبعات قانونية أو سياسية، خاصة في ظل غياب آلية دولية ملزمة.
الولايات المتحدة: بين تثبيت الهدنة وتفادي التصعيد
أما واشنطن، فتجد نفسها في موقع الوسيط المتردد. ووصف المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ملف النشطاء العالقين بأنه اختبار حقيقي للمرحلة التالية من خطة وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى إمكانية حل المسألة عبر توفير ممر آمن لهم نحو مناطق تسيطر عليها حماس داخل غزة. لكن هذا المقترح يصطدم برفض إسرائيلي واضح، إذ تعتبر تل أبيب أن السماح بانتقال هؤلاء المقاتلين يعيد تموضعهم العسكري ويقوض أهداف نزع السلاح.
تحاول الإدارة الأمريكية، التي تسعى لتثبيت الهدنة دون الدخول في مواجهة مع إسرائيل، التوفيق بين المطالب التركية والرفض الإسرائيلي، عبر طرح حلول وسطية تشمل نقل النشطاء إلى مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية أو إخراجهم إلى دولة ثالثة. لكن هذه المقترحات تصطدم بعقبات قانونية وسياسية، أبرزها غياب موافقة فلسطينية رسمية، ورفض حماس لأي ترتيبات تمس عناصرها دون ضمانات واضحة.
حماس: خط أحمر لا يُمس
تصر حماس على عدم التخلي عن سلاحها، معتبرة ذلك خطًا أحمر في أي مفاوضات. وقال مسؤول في الحركة، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن تركيا ضمن الوسطاء، لكنه امتنع عن الخوض في تفاصيل المفاوضات، واصفًا الملف بأنه قضية أمنية حساسة. ونقلت مصادر فلسطينية أن بعض المقاتلين المحاصرين في رفح أبدوا استعدادهم لتسليم أسلحتهم مقابل المرور الآمن إلى مناطق أخرى داخل القطاع، وهو ما ترفضه إسرائيل حتى الآن.
موقف حماس يعكس إدراكًا بأن أي تنازل سيُفهم كإقرار بالهزيمة، ويفتح الباب أمام مطالبات دولية بنزع سلاح الحركة بالكامل. كما تخشى القيادة السياسية للحركة أن يتحول ملف العالقين إلى مدخل لتفكيك بنيتها العسكرية، خاصة إذا ربط بترتيبات القوة الدولية المقترحة.
أزمة قانونية وأمنية مركّبة
تُعقّد الأزمة أيضًا بسبب غياب إطار قانوني واضح للتعامل مع مقاتلين غير نظاميين في مناطق غير خاضعة للسيادة. فبينما تطالب تركيا بتطبيق اتفاقيات جنيف على هؤلاء الأفراد، تصر إسرائيل على معاملتهم كمقاتلين غير شرعيين، ما يفتح الباب أمام تفسيرات متضاربة للقانون الدولي الإنساني ويضع الأمم المتحدة في موقف متفرج عاجز عن التدخل الفعلي.
كما يزيد غياب لجنة تحقيق دولية في أحداث السابع من أكتوبر من تعقيد المشهد القانوني، ويمنح تل أبيب هامشًا واسعًا في إدارة الملف الأمني دون رقابة دولية فعلية.
تحقيقات إسرائيلية… لكن بلا لجنة
في خلفية المشهد، تتصاعد الضغوط داخل إسرائيل لإجراء تحقيق رسمي في الإخفاقات التي سبقت هجوم حماس. دعا رئيس هيئة الأركان إيال زامير إلى تحقيق منهجي واسع بعد نشر تقرير داخلي كشف عن فشل مؤسساتي طويل الأمد، رغم توفر معلومات استخباراتية عالية الجودة. لكن حكومة نتنياهو ترفض حتى الآن تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وسط انقسام سياسي داخلي حول المسؤوليات.
هذا التردد في فتح تحقيق رسمي يعكس خشية من كشف ثغرات أمنية قد تُستخدم سياسيًا ضد الحكومة، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي وتزايد المطالبات بمحاسبة المسؤولين عن الإخفاقات.
اختبار الإرادات… ومصير الهدنة
تحوّل ملف النشطاء العالقين إلى اختبار حقيقي للإرادات السياسية بين الأطراف الثلاثة. تركيا تسعى لحماية حلفائها دون التصادم المباشر مع واشنطن، إسرائيل ترفض تقديم أي تنازلات قد تُفهم كضعف، والولايات المتحدة تحاول الحفاظ على توازن هش بين الطرفين دون أن تخسر أحدهما.
هذا التوتر، إذا لم يُحل ضمن إطار تفاوضي واضح، قد يتحول إلى شرارة تُفجّر الهدنة الهشة وتعيد المنطقة إلى مربع التصعيد. وفي ظل غياب توافق دولي واسع النطاق وتباين المواقف الإقليمية، يبقى مصير هؤلاء النشطاء معلقًا بين الأنفاق والحدود، في انتظار تسوية سياسية قد لا تأتي قريبًا.


































