اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
على مدار شهرين ونصف، صعّدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة الضربات الجوية ضد قوارب يُشتبه في ضلوعها بعمليات تهريب مخدرات في الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي، في واحدة من أكثر العمليات إثارة للجدل في السياسة الأمريكية الحديثة.
فمنذ الضربة الأولى في 2 سبتمبر، التي أسفرت عن مقتل 11 شخصًا، انتقل المزاج العام من الصدمة إلى الإحساس بالروتين الممزوج بالخوف، بعدما أوفت الإدارة بوعدها بمواصلة الهجمات. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، كشفت الإدارة علنًا عن 21 ضربة استهدفت 22 قاربًا في محيطين مختلفين، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 83 شخصًا بينهم مفقودين في عمليات تُوصف بأنها قتل خارج نطاق القانون تستهدف جهات غير حكومية في أعالي البحار وفقًا لمجلة فورين بوليسي.
ومع تصاعد حصيلة القتلى، واجهت الإدارة الأمريكية تحديًا كبيرًا في صياغة مبرر قانوني مقنع لهذه العمليات الاستثنائية. خلال الأيام التي تلت الضربة الأولى، بدا أن المسؤولين عاجزون عن تقديم رواية متماسكة، وراح كبار المسؤولين يومئون بلا دليل إلى أن الضربة كانت دفاعًا عن النفس. فيما بعد، تبنّت الإدارة هذا الطرح رسميًا في تقرير 'سلطات الحرب' الموجّه إلى الكونجرس، وهو تقرير اتسم بحدة الخطاب وضعف الحجج القانونية، ما أثار انتقادات واسعة من خبراء القانون الدولي وحقوق الإنسان.
لكن الأكثر جدلية هو التوجه لاحقًا إلى مبرر قانوني أقل واقعية، حيث حاول البيت الأبيض تبرير الهجمات باعتبارها جزءًا من 'نزاع مسلح غير دولي' NIAC مع 24 منظمة إجرامية مصنفة إرهابية. وفقًا لتقارير إعلامية، أصدر مكتب الاستشارات القانونية في وزارة العدل OLC مذكرة في الصيف الماضي تدعي أن الولايات المتحدة في 'حالة حرب' مع هذه الجماعات، ما يمنح الإدارة صلاحيات موسعة لاستخدام القوة المميتة خارج الحدود التقليدية. هذا التفسير القانوني المبتكر لم يلقَ قبولًا واسعًا بين خبراء القانون الدولي، الذين يرون أنه يشكل سابقة خطيرة قد تسمح باستخدام القوة الأمريكية في مناطق بعيدة بدون موافقة الكونجرس أو أي أساس قانوني دولي مقبول.
ومن الناحية العملية، أثارت هذه الحملة الأمريكية تساؤلات حول الفاعلية والأثر الأمني لهذه العمليات، إذ يشير خبراء مكافحة المخدرات إلى أن الضربات الجوية قد تؤدي إلى تعطيل شبكات التهريب مؤقتًا، لكنها في الوقت ذاته تزيد من قدرة الكارتلات على التكيف والتفادي، ما يجعل العمليات غير مستدامة على المدى الطويل. كما أن العمليات استهدفت مناطق بحرية دولية، ما يثير قلقًا من انتهاك سيادة الدول الكاريبية المجاورة، ويضع إدارة ترامب تحت ضغط من المجتمع الدولي والولايات المتحدة نفسها لمراجعة هذه السياسات قبل أن تتحول إلى أزمة دبلوماسية.
إضافة إلى ذلك، أثارت الضربات تساؤلات أخلاقية حول مبدأ العدالة وحق الحياة، خاصة وأن القتلى هم مدنيون أو مشتبه بهم دون محاكمة. منظمة العفو الدولية وحقوقيون أمريكيون وصفوا الضربات بأنها قتل خارج نطاق القضاء، محذرين من أن استمرارها قد يضع الولايات المتحدة في مواجهة انتقادات شديدة على الساحة الدولية، بما في ذلك دعوات لمساءلة المسؤولين عن القرارات. وفي الوقت ذاته، حاول البيت الأبيض تهدئة هذه الانتقادات من خلال التأكيد على خطورة تجارة المخدرات في المنطقة وارتباطها بالعنف والجريمة المنظمة، وهو ما يراه البعض محاولة لتبرير إجراءات قانونية مشكوك فيها.
ومع استمرار هذه الضربات، يبدو أن إدارة ترامب تواجه معضلة مزدوجة: الحفاظ على هيبة الولايات المتحدة في مواجهة تهريب المخدرات، وفي الوقت ذاته عدم تجاوز القانون الدولي والوطني الذي يحدد مسؤولياتها وحدود استخدام القوة. المشهد الحالي في الكاريبي، إذن، أصبح نموذجًا معقدًا يعكس صعوبة موازنة الأمن القومي مع الالتزامات القانونية والأخلاقية، وما إذا كانت الإدارة ستتمكن من تقديم مبررات قانونية مقنعة أم ستبقى هذه الضربات مجرد فوضى عسكرية مشوبة بالجدل والانتقادات.


































