اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في ظل تحولات المشهد الاقتصادي العالمي وتغير خريطة الشراكات الدولية، يبرز التعاون بين مصر وكوريا الجنوبية كأحد المسارات القوية وذات التأثير العميق. ورغم التراجع الطفيف في حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2025، يؤكد الخبير الاقتصادي هاني الشامي، عميد كلية الإدارة والأعمال بجامعة المستقبل، أن العلاقة الاقتصادية بين القاهرة وسيول تأكد ان هناك مسار استراتيجي مرشح للنمو خلال السنوات المقبلة.
يشير الشامي إلى أن انخفاض حجم التبادل التجاري من 1.2 مليار دولار في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2024 إلى نحو 995.3 مليون دولار في نفس الفترة من 2025، ليس مؤشراً سلبياً بقدر ما هو انعكاس للظروف الاقتصادية العالمية، وتقلبات الأسواق وسلاسل الإمداد. ويوضح أن العلاقات التجارية القوية لا تُقاس فقط بحجم التبادل، بل بقدرة كل طرف على الحفاظ على تدفق السلع والخدمات رغم التحديات، وهو ما تحقق بالفعل بين مصر وكوريا.
ويرى الشامي أن الصادرات المصرية إلى كوريا الجنوبية، والتي بلغت 56.1 مليون دولار في 2025 مقارنة بـ79.2 مليوناً في العام السابق، تكشف عن فرص كبيرة غير مستغلة. فمعظم الصادرات الحالية تتركز في خامات الحديد والأسمدة ومنتجات الصناعات الغذائية، وهي سلع تعتمد على المواد الأولية أكثر من القيمة المضافة.
ويؤكد أن مصر قادرة على مضاعفة صادراتها إذا توسعت في الصناعات التحويلية، وركزت على منتجات التكنولوجيا الزراعية والصناعات الدوائية والفيبر جلاس، وهي قطاعات تمتلك فيها مصر ميزة تنافسية يمكن تعزيزها بالشراكة مع كوريا.
يشدد الخبير الاقتصادي على أن طبيعة الواردات المصرية من كوريا الجنوبية والتي تضم الأجهزة الكهربائية والسيارات والآلات واللدائن تعكس استفادة مصر من التكنولوجيا والصناعات المتقدمة الكورية. فالواردات الكورية ليست سلعاً استهلاكية فقط، بل مكونات رئيسية لقطاعات صناعية داخل مصر، وهو ما يسهم في رفع جودة الإنتاج المحلي وتطوير القاعدة الصناعية المصرية.
ويلفت الشامي النظر إلى أن الأهم من التجارة هو قفزة الاستثمارات الكورية داخل مصر، التي ارتفعت من 288.3 مليون دولار إلى 413.8 مليون دولار في عام واحد. وهذه الزيادة، من وجهة نظره، تعكس ثقة كوريا في الاقتصاد المصري وفي قدرته على تحقيق عائدات مستقرة بعيدة عن تقلبات السوق.
ويتوقع أن تشهد هذه الاستثمارات نمواً أكبر مع دخول مصر مرحلة التوسع في الطاقة المتجددة، وصناعة البطاريات، وصناعة السيارات الكهربائية، وهي مجالات تمتلك كوريا فيها خبرة عالمية وتبحث فيها عن شراكات في الشرق الأوسط وأفريقيا.
يؤكد الشامي أن زيادة تحويلات المصريين العاملين في كوريا الجنوبية من 7.2 إلى 7.7 مليون دولار تعكس استقرار ظروف العمل والجالية المصرية هناك، رغم أن العدد الإجمالي للمصريين في كوريا لا يتجاوز 3185 شخصاً. ويضيف أن هذا الرقم يمكن أن ينمو إذا تم فتح برامج تدريب مهنية مشتركة، بما يساهم في رفع مهارات العمالة المصرية ودمجها في قطاعات التكنولوجيا والصناعة الكورية.
ويشير الشامي إلى أن مقارنة عدد السكان بين مصر (108.4 مليون نسمة) وكوريا الجنوبية (51.6 مليون نسمة) تكشف عن إمكانيات تكامل كبيرة. فمصر تمثل سوقاً ضخماً وقوة عمل شابة، بينما تمتلك كوريا التكنولوجيا والصناعات المتقدمة.
وتابع أن هذا النوع من التكامل هو ما تحتاجه مصر لتعزيز صناعتها وزيادة صادراتها، خصوصاً في ظل توجه الدولة لتعميق التصنيع المحلي وتقليل الواردات الاستراتيجية.
يؤكد الخبير الاقتصادي هاني الشامي أن الإجابة 'نعم وبقوة'، مشيراً إلى أن السنوات المقبلة ستشهد توسعاً في التعاون الصناعي والاستثماري بين البلدين، لثلاثة أسباب رئيسية: أولاً رغبة الشركات الكورية في التوسع نحو أفريقيا وأوروبا عبر بوابة مصر الجغرافية واللوجستية، ثانياً، استقرار السوق المصري ووضوح رؤية الدولة الاقتصادية، ثالثاً، قدرة مصر على توفير مناطق صناعية متميزة وحوافز استثمارية تشجع الشركات الكورية الثقيلة على ضخ مزيد من الاستثمارات.
في الختام، يوضح الشامي أن الأرقام الحالية ليست النهاية، بل مجرد مرحلة انتقالية نحو شراكة اقتصادية أكبر بكثير. فالتبادل التجاري سيشهد نمواً تدريجياً بعد إعادة ترتيب سلاسل الإمداد، بينما الاستثمارات الكورية في مصر مرشحة للزيادة بشكل مضاعف مع دخول مشاريع الصناعة والطاقة حيز التنفيذ.


































