اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
شهدت الساحة السياسية والأمنية في إسرائيل جدلًا واسعًا امتد إلى المجتمع الأوسع في اعقاب الإفراج عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين في إطار ترتيبات مرتبطة بملف غزة. هذا الإفراج، الذي شمل مئات المعتقلين بينهم من قضوا سنوات طويلة في السجون بسبب مشاركتهم في عمليات ضد إسرائيليين، أثار مخاوف جدية داخل الأوساط الأمنية والسياسية من احتمال عودة هؤلاء إلى العمل المسلح أو الانخراط مجددًا في تنظيمات المقاومة. هذه المخاوف ليست جديدة، لكنها تتجدد مع كل عملية تبادل أو إفراج جماعي، لتشكل ما يشبه 'كابوسًا' يلاحق إسرائيل في كل مرة يتم فيها فتح ملف الأسرى.
ووفقًا لراديو فرانس إنترناسيونال، فإن الجدل الأخير يعكس تنامي القلق داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن يؤدي هذا الإفراج الواسع إلى إعادة إنتاج عناصر مقاتلة قادرة على تشكيل خلايا جديدة أو إحياء بنى تنظيمية قديمة.
احتمالات غير محسوبة
من الناحية الأمنية، ترى إسرائيل أن إطلاق سراح الأسرى يفتح الباب أمام احتمالات غير محسوبة. فبعض هؤلاء المعتقلين يتمتعون بخبرة تنظيمية وعسكرية اكتسبوها خلال سنوات طويلة من الانخراط في العمل المسلح، ما يجعلهم قادرين على إعادة بناء شبكات مقاومة أو المساهمة في تطوير تكتيكات جديدة. هذا الاحتمال يثير قلق المؤسسة العسكرية التي تخشى أن يتحول هؤلاء إلى 'قادة ميدانيين' قادرين على تحريك الشارع الفلسطيني في لحظات التوتر. وفي المقابل، يعتبر الفلسطينيون أن الإفراج عن الأسرى يمثل انتصارًا معنويًا يعزز صمودهم ويمنحهم دفعة جديدة في مواجهة الاحتلال، وهو ما يزيد من حدة التناقض بين الروايتين الإسرائيلية والفلسطينية.
سياسيًا، يضع ملف الأسرى الحكومة الإسرائيلية في موقف حساس. فمن جهة، هناك ضغوط داخلية من عائلات الجنود الأسرى في غزة التي تطالب بصفقات تبادل تضمن عودة أبنائهم، ومن جهة أخرى هناك تيارات يمينية متشددة ترفض أي إفراج عن فلسطينيين وتعتبره 'تنازلًا خطيرًا' يهدد أمن إسرائيل. هذا الانقسام الداخلي يعكس هشاشة الموقف السياسي للحكومة، ويجعلها عرضة لانتقادات حادة سواء من المعارضة أو من الشارع الإسرائيلي الذي يعيش حالة من القلق المستمر.
إنجاز وطني
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن الإفراج عن الأسرى يُنظر إليه باعتباره إنجازًا وطنيًا يعزز مكانة الفصائل التي تفاوضت من أجل تحقيقه. الأسرى المفرج عنهم غالبًا ما يُستقبلون كأبطال، وتتحول قصصهم إلى رموز تعبئة جديدة داخل المجتمع الفلسطيني. هذا البعد الرمزي يزيد من حساسية الملف بالنسبة لإسرائيل، التي تدرك أن كل عملية إفراج تحمل معها رسائل سياسية ومعنوية قد تعزز من قوة خصومها.
من زاوية أوسع، يعكس ملف الأسرى طبيعة الصراع المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث يتداخل البعد الأمني مع البعد السياسي والإنساني. فبينما ترى إسرائيل أن الإفراج عن الأسرى يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها، يعتبر الفلسطينيون أن استمرار اعتقال الآلاف منهم يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ويغذي مشاعر الغضب والرفض. هذا التناقض يجعل من قضية الأسرى واحدة من أعقد الملفات في مسار الصراع، ويحولها إلى نقطة توتر دائمة بين الطرفين.
وتشير الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية إلى أن إسرائيل تواجه معضلة حقيقية في التعامل مع هذا الملف. فهي من جهة مضطرة إلى الدخول في صفقات تبادل من أجل استعادة جنودها أو تحقيق مكاسب سياسية، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن هذه الصفقات قد تحمل معها مخاطر أمنية جسيمة. هذا التناقض يضعها أمام خيارات صعبة، ويجعلها في حالة من التردد المستمر بين الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية وبين الحفاظ على أمنها القومي.
ويمكن القول إن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين يمثل معادلة معقدة تجمع بين الأبعاد الأمنية والسياسية والإنسانية. ولا تزال إسرائيل تخشى أن يتحول هؤلاء إلى مصدر تهديد جديد يعيد إنتاج المقاومة المسلحة، بينما يرى الفلسطينيون أن الإفراج عنهم يعزز صمودهم ويمنحهم دفعة معنوية في مواجهة الاحتلال. هذا التناقض يعكس طبيعة الصراع المستمر، ويؤكد أن ملف الأسرى سيظل أحد أبرز نقاط التوتر في المنطقة، وأن أي محاولة لتجاهله أو التقليل من أهميته لن تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد.
وبذلك، فإن قضية الأسرى تبقى كعنصر جوهري يعكس عمق الأزمة بين الطرفين، ويكشف عن هشاشة التوازنات الأمنية والسياسية في المنطقة. ومع استمرار التوترات في غزة والضفة الغربية، يبدو أن هذا الملف سيظل حاضرًا بقوة في المشهد، وأن المخاوف الإسرائيلية من عودة الأسرى إلى المقاومة المسلحة ستبقى قائمة، لتشكل كابوسًا دائمًا يلاحق إسرائيل في كل خطوة تتعلق بهذا الملف، خاصة وأن أحد الأسرى الفلسطينيين السابقين لم يكن سوى يحيى السنوار، العقل المدبر لهجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.


































