اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في خطوة وُصفت بأنها الأشد حساسية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل أكثر من أربعة عقود، أعلنت إسرائيل تحويل حدودها الجنوبية إلى منطقة عسكرية، في قرار صدر عن وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي إسرائيل كاتس، أمس الخميس.
وجاء الإعلان بعد سلسلة من التطورات الأمنية على طول الحدود الجنوبية، أبرزها مزاعم اسرائيلية حول إحباط محاولات متكررة لتهريب أسلحة عبر طائرات مسيّرة قالت إسرائيل إنها انطلقت من جهة الجنوب. وأوضح كاتس في بيان رسمي أن “التحديات الأمنية على الحدود مع مصر لم تعد تقليدية، بل أصبحت أكثر تعقيدًا، وتتطلب إجراءات ميدانية صارمة لحماية أمن إسرائيل ومواطنيها”.
ووفقًا لما نشرته صحيفة جيروزاليم بوست، فإن هذا القرار يعكس قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من “تزايد الأنشطة غير القانونية عبر الحدود، خصوصًا تهريب الأسلحة باستخدام تكنولوجيا متقدمة”.
وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي رصد خلال الأشهر الأخيرة ارتفاعًا في عدد الطائرات المسيّرة التي حاولت عبور الحدود الجنوبية محمّلة بالأسلحة الخفيفة والذخائر. ففي إحدى العمليات التي أُعلن عنها، زعم جيش الاحتلال إسقاط طائرة بدون طيار تحمل ثماني بنادق كانت تحاول التسلل من داخل الأراضي المصرية إلى عمق النقب، كما زعم اعتراض طائرة أخرى تحمل شحنة من المسدسات. وتضيف جيروزاليم بوست أن هذه الحوادث المتكررة دفعت كاتس ورئيس أركانه إيال زانير إلى اعتبار الحدود الجنوبية “جبهة أمنية نشطة” بعد أن كانت توصف لسنوات بأنها “الحدود الأكثر هدوءًا في المنطقة”.
من زاوية أوسع، يشير محللون إسرائيليون إلى أن القرار لا يمكن فهمه بمعزل عن التطورات الإقليمية المحيطة بإسرائيل. فالحرب المستمرة في غزة، وتصاعد التوتر مع حزب الله في الشمال، والاضطرابات في البحر الأحمر، كلها عوامل دفعت تل أبيب إلى إعادة تعريف مفهوم “الأمن القومي الشامل”، ليشمل جميع حدودها البرية والبحرية والجوية ضمن حالة تأهب مستمرة.
وتلفت جيروزاليم بوست إلى أن إسرائيل باتت تنظر إلى الجنوب كمنطقة هشّة أمنيًا يمكن أن تُستغل من قبل مجموعات تهريب أو أطراف إقليمية معادية، وأن تعزيز السيطرة هناك “ليس مجرد إجراء احترازي، بل جزء من استراتيجية ردع جديدة”.
ورغم أن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تقوم على تنسيق أمني وثيق منذ عقود، فإن الإعلان الأخير يُعد خطوة نادرة تحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية حساسة. فبحسب جيروزاليم بوست، يتعامل المسؤولون المصريون مع القرار بحذر، إدراكًا منهم لحساسية الموقف، ومع ذلك، تؤكد الصحيفة أن الجانب الإسرائيلي حرص على إبلاغ القاهرة مسبقًا بالخطوة، وأن التواصل العسكري بين الطرفين لا يزال قائمًا بصورة طبيعية.
إلا أن توقيت القرار يثير تساؤلات كثيرة حول نوايا إسرائيل الحقيقية. فبينما تقول وزارة دفاع الاحتلال الإسرائيلية إن الهدف هو “منع التهريب وضمان الأمن”، يرى بعض المراقبين أن الخطوة تحمل أيضًا رسالة سياسية داخلية، إذ يريد كاتس أن يُظهر حزمه في ملف الأمن الحدودي في وقت يتزايد فيه الضغط الشعبي على الحكومة بسبب اتساع رقعة التهديدات في جميع الاتجاهات. وفي هذا السياق، تذكر جيروزاليم بوست أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تشهد في الفترة الأخيرة مراجعة شاملة لعقيدتها الأمنية بعد صدمة السابع من أكتوبر، ما جعلها أكثر ميلًا لاتخاذ إجراءات استباقية صارمة حتى في المناطق التي كانت تُعد مستقرة نسبيًا.
ومن الناحية العملية، يعني إعلان المنطقة العسكرية أن الدخول إلى الشريط الحدودي سيقتصر على القوات الأمنية والجيش، وأن أي نشاط مدني سيخضع لتصاريح خاصة. كما تم نشر وحدات إضافية من سلاح الجو والدفاع الجوي لرصد الطائرات المسيّرة وإسقاطها فور اقترابها من المجال الإسرائيلي.
ووفقًا للصحيفة، فإن هذا الانتشار يشمل منظومات مراقبة متطورة قادرة على تتبع الأجسام الصغيرة على ارتفاعات منخفضة، في إشارة إلى أن إسرائيل تتعامل مع التهديدات الجديدة على أنها جزء من حرب تكنولوجية متنامية لا تقل خطورة عن المواجهات التقليدية.
الخطوة الإسرائيلية، وإن كانت تبدو منطقية في سياق القلق الأمني، فإنها تحمل في طياتها مخاطر سياسية واضحة. فالمراقبون يخشون أن يؤدي تحويل الحدود إلى منطقة مغلقة إلى زيادة التوتر في العلاقات مع مصر، خصوصًا إذا شعر الجانب المصري بأن القرار يمثل تجاوزًا لآليات التنسيق المعمول بها. لكن في المقابل، تؤكد جيروزاليم بوست أن تل أبيب تراهن على أن القاهرة ستتفهم دوافعها الأمنية، خاصة في ظل التعاون القائم بشأن مكافحة التهريب.
ولا يعكس إعلان إسرائيل حدودها مع مصر منطقة عسكرية مغلقة مجرد استجابة تكتيكية لحوادث محدودة، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في نظرتها إلى الجنوب بوصفه خط مواجهة محتملة وفقا لتقديرات جيش الاحتلال، كما يعكس مزيجًا من الحذر الأمني والرسائل السياسية، ويؤكد أن تل أبيب لم تعد ترى في معاهدة السلام ضمانة مطلقة للهدوء، بل إطارًا عامًا يجب أن يُعاد تفسيره وفق مقتضيات المرحلة الراهنة. وكما ختمت جيروزاليم بوست تقريرها، فإن “إسرائيل تستعد لمرحلة جديدة تتعامل فيها مع حدودها الجنوبية كما لو كانت جبهة صامتة اليوم، لكنها قد تنفجر غدًا”.


































