اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١٥ كانون الأول ٢٠٢٥
تحلّ علينا اليوم ذكرى رحيل الفنان الكبير نبيل الحلفاوي، الممثل المصري الذي ترك بصمة لا تُمحى في المسرح والسينما والدراما.
وُلد الفنان نبيل الحلفاوي، في حي السيدة زينب في 22 أبريل عام 1947، وتخرّج في كلية التجارة قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية حبًا في التمثيل؛ ليتخرج عام 1970 ضمن دفعة وُصفت بأنها “دفعة العمالقة”، إلى جوار محمد صبحي، لطفي لبيب، شعبان حسين، يسري مصطفى وهادي الجيار، وتتلمذ على أيدي أسماء كبرى مثل سعد أردش وجلال الشرقاوي.
بدأت علاقة الحلفاوي بالفن من مسرح كلية التجارة، حين اكتشف المخرج محمد سالم موهبته وأسند له دوريْن في مسرحيتي 'القضية' و'هبط الملاك في بابل'، قبل أن يلتقي بـ سعد أردش الذي شجّعه على الالتحاق بالمعهد.. وبعد تخرجه رفض التدريس ليكرّس حياته للتمثيل وحده.. وقدّم 22 عملًا مسرحيًا احترافيًا، منها ستة عروض على المسرح القومي بتوقيع أستاذه أردش، بينها “دائرة الطباشير القوقازية”، “باب الفتوح”، “عملية نوح”، “رجل في القلعة”، إلى جانب عروض أخرى مع كبار المخرجين مثل سمير العصفوري، سناء شافع، حمدي غيث، عصام السيد الذي أخرج له “عجبي” و“اضحك لما تموت”.
تجلّت عبقريته المسرحية في أعمال مثل 'عفريت لكل مواطن' حيث لعب دور الموظف راضي عبد السلام المصاب بازدواج نفسي يتطلب انتقالًا حادًا بين شخصيتين أمام الجمهور بلا لحظة فاصلة، وهو ما وصفه بأنه “جهد عصبي وبدني قد يقتل العرض أو يقتله هو”، كما قال.
وفي 'رجل في القلعة' بلغ ذروة صراعه بين الأداء الذهني والانفعالي حين قدّم عمر مكرم، رافضًا السقوط في الخطابة رغم ضغط الدور التاريخي، ليخرج بأداء وصفه النقاد بأنه 'رومانسي بلا ميلودراما، صادق بلا استعراض'.
وفي التلفزيون، كانت بدايته في 'محمد رسول الله' عام 1980، مُجسدًا شخصية القائد 'حور محب' التي عاد ليؤديها في 'لا إله إلا الله' الجزء الثالث عام 1987.. كما برع في الأدوار التاريخية والدينية، خاصة دوره العظيم “زكريا بن راضي” كبير البصاصين في “الزيني بركات” عام 1994، والذي اعتبره كثيرون أحد أفضل الأدوار في الدراما المصرية.. كما جسّد جمال عبد الناصر في “دموع صاحبة الجلالة” و“أوراق مصرية”، وسعد زغلول في “حواري وقصور”، وعلي ماهر باشا في “الملك فاروق.”
أما في الدراما الصعيدية، فكان أحد فرسانها الحقيقيين منذ شخصية 'المعلا قانون' في 'غوايش'، التي اعتُبرت منطلقًا جديدًا للدراما الصعيدية، وصولًا إلى شخصية “رفاعي” في “زيزينيا” بجزأيه، حيث مزج بين قسوة الصعيدي وعنفوانه ورقته حين يقع في الحب، مؤديًا الدور بنظراته الشهيرة ونبرته المميزة
وفي الدراما الوطنية، رسّخ مكانته بدور “نديم هاشم – قلب الأسد” في “رأفت الهجان”، رغم المقارنة الصعبة مع نجاح يوسف شعبان في دور محسن ممتاز، لكنه أثبت أنه قادر على بناء شخصية ضابط مخابرات قوية بصلابة وأداء مهيب. هذا النجاح دفعه للعب أدوار الضابط بين الكوميديا في “العميل رقم 13” مع محمد صبحي، والدراما الوطنية في “الطريق إلى إيلات”، حيث جسد “محمود قبطان”، ليحصل بسببه على لقب “قبطان الفن”
آخر أدواره المميزة كان “ياقوت” في “ونوس” عام 2016، حيث برع في تقديم صراع الإنسان أمام غواية الشيطان، مؤديًا دورًا صعبًا بعمق وصدق. أما السينما فقدم فيها أعمالًا عديدة منها: “الأوباش”، “فقراء لا يدخلون الجنة”، “وقيدت ضد مجهول”، “الأباء والأبناء”، “المحاكمة”، “العميل رقم 13”، “الطريق إلى إيلات”. وكانت آخر مشاركاته الفنية ظهوره كضيف شرف في فيلم “تسليم أهالي” عام 2022.
ارتبط الحلفاوي بذكرى المسرح والدراما والسينما، لكنه ارتبط أيضًا بوجدان الجمهور كمثقف وواعٍ، حاضر في الشأن العام، محبوب بين زملائه، محتفظًا بهيبة فنية لا ينازعها أحد. عاش مؤمنًا بفكرة أن الفنان هو ضمير المجتمع، ووُصف بأنه “غول التمثيل” الذي يُبهر حين يتقمص ويُدهش حين ينطق، بعينين تحملان كل الانفعالات ونبرة صوت قادرة على تحويل الصمت إلى مشهد.
أما عن حياته الشخصية.. تزوج في بداياته من الفنانة فردوس عبد الحميد، وأنجب منها ابنهما الأكبر خالد الحلفاوي الذي أصبح أحد أبرز مخرجي السينما والدراما، قبل أن ينفصلا لاحقًا. وله ابن آخر هو وليد الحلفاوي من زيجة مختلفة، والذي اتجه أيضًا للإخراج وحقق نجاحًا واسعًا في السينما والتلفزيون، لتصبح عائلة الحلفاوي واحدة من العائلات الفنية المميزة في مصر.
رحل الفنان الكبير نبيل الحلفاوي في 15 ديسمبر 2024 عن عمر ناهز 77 عامًا بعد أزمة صحية مفاجئة كان يعاني من مشكلات في الجهاز التنفسي والصدر.
برحيل نبيل الحلفاوي، خسر الفن المصري والعربي ممثلًا لن يتكرر، صاحب منهج فريد، وكاريزما استثنائية، وتاريخ طويل من الصدق الفني والإخلاص. ترك خلفه إرثًا مسرحيًا وتلفزيونيًا وسينمائيًا يستحق أن يُدرَّس، وذكريات تعلق بها جمهور أحبّه من القلب.


































