اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، عن خطوة استثنائية وغير مسبوقة تتمثل في فتح تحقيق رسمي بشأن فيديو شارك فيه السيناتور الديمقراطي مارك كيلي، وهو قائد متقاعد في البحرية، إلى جانب خمسة مشرعين ديمقراطيين آخرين، حيث وجهوا رسالة مباشرة إلى أفراد القوات المسلحة يحثونهم فيها على 'رفض الأوامر غير القانونية'، وفقًا لشبكة 'إيه بي سي نيوز'.
ويمثل هذا التحقيق نقطة تحول خطيرة في العلاقات المدنية - العسكرية، ويضع قضية الانضباط العسكري والحياد السياسي للمؤسسة في بؤرة صراع قانوني ودستوري حاد، وتدور الأزمة حول مقطع فيديو نُشر في خضم توترات سياسية داخلية، ظهر فيه ستة نواب ديمقراطيين لديهم خلفيات عسكرية أو أمنية.
وكانت الرسالة الموجهة إلى الجنود صريحة وحاسمة: 'قوانيننا واضحة: يمكنكم رفض الأوامر غير القانونية'، مؤكدين على أن واجب الجندي الأول هو حماية الدستور، وليس بالضرورة الامتثال الأعمى للقيادة.
وفي حين يصر النواب على أنهم كانوا يمارسون حقهم في ضمان التمسك بمبدأ 'الأوامر القانونية' الراسخ في القانون العسكري، رأت القيادة في البنتاجون وخصومهم السياسيين أن التوقيت واللغة المستخدمة يشكلان تدخلًا غير مبرر في سلسلة القيادة العسكرية ومحاولة لتحريض الجنود على العصيان أو التشكيك في سلطة رؤسائهم.
واعتبرت الجهات العسكرية أن هذا السلوك يقوض الانضباط ويشكل سابقة خطيرة في تحييد الجيش عن المهام السياسية، وتستمد خطورة التحقيق من الأساس القانوني الذي يستند إليه: القانون العسكري الموحد (Uniform Code of Military Justice - UCMJ).
هذا القانون هو الإطار الذي يحكم سلوك جميع أفراد القوات المسلحة الأمريكية، ويظل ساريًا على العسكريين المتقاعدين في حالات محددة، ما يضع السيناتور كيلي، بصفته نقيبًا متقاعدًا في البحرية، تحت طائلة المسؤولية.
وتتركز الاتهامات المحتملة على واحدة من أخطر المواد في القانون العسكري، وهي المادة 94 المتعلقة بـ 'العصيان والتحريض'. حيث يُعرّف العصيان بأنه فعل جماعي يهدف إلى الإطاحة بالسلطة أو التمرد عليها، بينما التحريض هو محاولة إثارة العصيان أو عدم الولاء أو عدم الطاعة.
يهدف التحقيق لتحديد ما إذا كانت رسالة كيلي تندرج ضمن التحريض على العصيان، وهي جريمة عسكرية خطيرة قد تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد.
ولم يسبق للبنتاجون أن واجه قضية بهذا الحجم ضد برلماني حالي له خلفية عسكرية، وتتعدد السيناريوهات المحتملة لنتائج التحقيق، وكُل منها يثير تحديات قانونية ودستورية عميقة.
قد يوصي التحقيق بإجراءات تأديبية إدارية بحتة، مثل حجب أو خفض المعاش التقاعدي للسيناتور كيلي كنوع من العقاب الإداري على السلوك غير اللائق دون الحاجة إلى محاكمة عسكرية، أو إصدار رسالة توبيخ رسمية.
أما التهديد الأكثر حدة فهو استدعاء السيناتور كيلي للخدمة الفعلية، وهو أمر يتطلب موافقة وزير البحرية. بمجرد عودته إلى الخدمة، يُصبح كيلي خاضعًا بالكامل للسلطة القضائية العسكرية، مما يسمح بتقديمه إلى محكمة عسكرية بتهمة انتهاك المادة 94 أو غيرها.
غير أن هذا المسار يواجه عقبة دستورية كبرى تتمثل في بند الخطاب والنقاش في الدستور الأمريكي، الذي يوفر حصانة لأعضاء الكونجرس عن الأعمال التي يقومون بها أثناء ممارسة واجباتهم، مما يجعل القرار القانوني الحاسم هو ما إذا كان فيديو كيلي يعتبر 'واجبًا تشريعيًا' محميًا أو مجرد خطاب سياسي.
وعلى الصعيد السياسي، أثار التحقيق ردود فعل حادة، خاصة من الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي وصف تصرفات كيلي ورفاقه بـ'الخيانة العظمى' التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، في إشارة إلى خطورة التهمة في القانون العسكري.
هذه التصريحات زادت من حدة الاستقطاب وأججت الجدل حول تسييس الجيش. وفي المقابل، يؤكد مؤيدو كيلي أن التحقيق هو محاولة 'انتقامية' و'ملاحقة سياسية' تهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة، مشددين على أن تحذير الجنود من الأوامر غير القانونية هو واجب وطني.
وتتجاوز قضية السيناتور مارك كيلي والبنتاجون حدود الانضباط الفردي. إنها اختبار حاسم لمدى قدرة المؤسسة العسكرية الأمريكية على الحفاظ على حيادها المهني في خضم استقطاب سياسي غير مسبوق. سيتوقف على نتيجة هذا التحقيق ليس فقط مصير كيلي، بل أيضًا حدود العلاقة بين المسؤولين المنتخبين وأفراد القوات المسلحة. تحديد ما يُعد 'تحريضًا' وما يُعد 'إعمالًا للدستور' هو التحدي الأكبر الذي سيواجه المشرعين والقضاء العسكري.


































