اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
تجدد النقاش العام والجدل في الولايات المتحدة بعد أن أثار اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استخدام المدن الأمريكية كمناطق تدريب للجيش موجة رفض واسعة داخل الكونجرس الأمريكي وبين صفوف المحاربين القدامى.
جاءت ردود الفعل الغاضبة من نواب جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء، الذين اعتبروا أن الزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية الداخلية يمثل تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء التي تفصل بين الأمن القومي والمصالح الحزبية.
في تقرير مطول نشرته صحيفة ستارز آند سترايبس العسكرية الأمريكية، أوضح عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي أن الخطة المقترحة لا تمتّ بصلة للسياسات الدفاعية المتعارف عليها، بل تفتح الباب أمام عسكرة الفضاء المدني بطريقة تهدد صورة الجيش الأمريكي كمؤسسة وطنية فوق الخلافات السياسية.
أحد النواب المخضرمين الذين خدموا سابقًا في القوات المسلحة صرّح بأن “استخدام المدن كساحات تدريب يبعث رسالة سلبية للمواطنين ويزرع الخوف بدلًا من الثقة”.
في مقدمة المعترضين برز اسم النائب بات رايان من نيويورك، الضابط السابق في استخبارات الجيش، الذي دعا إلى “إبقاء السلاح في الميدان لا في الشوارع المدنية”.
وانضم إليه سالد كاراخال وجل سيسنيروس وكريس ديلوزيو وكريسي هولهان وتيد ليو وجيمي بانيتا، وجميعهم خدموا في صفوف القوات المسلحة أو الاحتياط قبل دخولهم الكونجرس الأمريكي.
وتحدث هؤلاء بصوتٍ واحد عن ضرورة حماية الحدود الفاصلة بين القرار العسكري والقرار السياسي، مؤكدين أن “المدن ليست ساحات حرب، والمواطنون ليسوا أهداف تدريب”.
الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمز والجارديان البريطانية وبوليتيكو الأمريكية وصفت هذا التحرك بأنه “تمرد مدني نبيل” داخل المؤسسة التشريعية، يقوده رجال خبروا معنى الانضباط العسكري ويخشون أن يتحول الانضباط إلى طاعة عمياء لأوامر سياسية.
هؤلاء النواب لم يكتفوا بالتحذير، بل بدأوا في إعداد مقترح قانوني يقيّد أي سلطة تنفيذية مستقبلية من استخدام القوات المسلحة في الفضاء المدني دون موافقة واضحة من الكونجرس الأمريكي، في خطوة تُعيد التذكير بجذور الديمقراطية التي تأسست على مبدأ “جيش للشعب لا للحاكم”.
أما صحيفة نيويورك تايمز فقد نقلت عن مصادر داخل وزارة الدفاع الأمريكية قولها إن البنتاجون لم يتلقَّ أي توجيهات رسمية من ترامب أو فريقه بهذا الشأن، لكنه يتابع بقلق تصاعد الخطاب الذي يربط بين الجيش والسياسة.
وأضافت الصحيفة أن عددًا من القادة العسكريين المتقاعدين وجهوا تحذيرات علنية من محاولة استغلال الجيش في حملات انتخابية أو دعائية، مؤكدين أن التجارب السابقة في دول أخرى أثبتت أن مثل هذه الخطوات تؤدي إلى تآكل الثقة بين المدنيين والعسكريين.
وفي مقال تحليلي في الجارديان البريطانية، رأت الصحيفة أن مواقف النواب المخضرمين تمثل جرس إنذار مبكر ضد محاولة فرض نفوذ سياسي على المؤسسة العسكرية.
واعتبرت الجارديان أن تصريحات ترامب الأخيرة تأتي ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الولاءات داخل الدولة العميقة استعدادًا لاستحقاقات انتخابية مقبلة.
وأشارت إلى أن استخدام خطاب “القوة والانضباط” أصبح إحدى أدواته لاستقطاب القاعدة اليمينية المتشددة التي ترى في الجيش رمزًا للقوة الوطنية.
من جانبها، تناولت مجلة بوليتيكو الأمريكية ردود فعل البيت الأبيض، حيث قال مسؤولون إن الإدارة تراقب الموقف بحذر، لكنها تؤكد التزامها بالدستور الذي يمنع استخدام القوات المسلحة في الشؤون الداخلية إلا في حالات الطوارئ القصوى.
ونقلت بوليتيكو عن مصادر مقربة من لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي أن بعض المشرعين يسعون لسن تشريع جديد يقيّد أي محاولة مستقبلية لاستخدام الجيش في عمليات أو تدريبات داخل المدن المدنية.
في المقابل، دافع عدد من أنصار ترامب عن الفكرة مؤكدين أن الهدف منها “تحسين الجاهزية الميدانية” ومساعدة القوات على التعامل مع “حروب المدن الحديثة”.
لكن صحيفة يو إس إيه توداي كشفت أن هذه المبررات لا تصمد أمام التدقيق، إذ إن الجيش الأمريكي يمتلك بالفعل قواعد تدريب متقدمة تحاكي البيئات المدنية بدقة عالية دون الحاجة لاستخدام مدن مأهولة بالسكان.
وأضافت أن تطبيق الخطة قد يثير احتجاجات واسعة ويقوض السلم الاجتماعي في مدن متعددة.
وربطت الجارديان البريطانية بين هذا الجدل ومحاولات ترامب السابقة لتقويض استقلالية المؤسسات الديمقراطية، مشيرة إلى أن فكرته حول “تسييس الجيش” تعكس رؤية سلطوية تتعارض مع التقاليد الأمريكية العريقة التي وضعت المؤسسة العسكرية في إطارها المهني البحت منذ تأسيس الجمهورية.
أما شبكة سي إن إن الأمريكية فقد ركزت على البعد الشعبي للقضية، حيث بثت مقابلات مع عائلات جنود أمريكيين عبّروا عن خشيتهم من أن تتحول الخدمة العسكرية إلى أداة سياسية في يد أي إدارة.
وأوضح أحد الآباء أن ابنه لم ينضم إلى الجيش “ليخوض معارك حزبية، بل ليحمي بلاده من الأخطار الخارجية”.
وفي تحليل نشرته وول ستريت جورنال، اعتبر الخبراء أن هذه القضية قد تتحول إلى محور رئيسي في الحملات الانتخابية القادمة، خصوصًا أن مسألة العلاقة بين المدنيين والعسكريين تمسّ جوهر النظام الأمريكي.
وأضافت الصحيفة أن استغلال صورة الجيش في الدعاية السياسية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويثير قلق الناخبين الوسطيين الذين يفضلون الحفاظ على حياد المؤسسة العسكرية.
وأكدت الصحيفة العسكرية الأمريكية في تقريرها أن تسييس الجيش يمثل خطًا أحمر في الوعي الأمريكي، وأن رفض النواب المخضرمين للخطة يعبّر عن إجماع وطني على ضرورة إبقاء المؤسسة العسكرية بعيدة عن أي استقطاب سياسي.
وترى الصحيفة أن هذا الموقف الموحد من شتى التيارات يعكس إدراكًا عميقًا بأن قوة أمريكا لا تقوم فقط على عتادها العسكري، بل على صونها للمبادئ الدستورية التي تحمي التوازن بين السلطة المدنية والعسكرية.