الآبريه مشروب النوبة الأول في رمضان.. و«الخماريت» و«الكابد» و«السناسن» أشهر الأكلات الأسوانية | صور

كلما اقترب شهر رمضان بخيره وكرمه تصبح بيوت أهل أسوان عبارة عن خلايا من النحل لتجهيز كافة مستلزمات الشهر الكريم المتوارثة جيلا بعد جيل، ومن أبرز هذه المستلزماتالتي لاتخلو منها مائدة رمضانية في ساحرة الجنوبالعجائن ومشروب الآبَريه والخماريت في النوبة، وفطير النشاب المعروف لدی القبائل العربية من الجعافرة والأنصار والعباسيين ورغيف 'الملتوت'، و'سناسن' الأصوالية التي يفوق مذاقها رغيف الخبز العادي.

وطوال عشرة 'المَّرق'.. وهي الأيام العشرة الأولی في رمضان التي تتفنن فيهاالعائلات ودواوين القری لإبراز أشهی الموائد الرمضانية يحرص الأسوانيون علی تبادل دعوات الإفطار قبل الدخول في العشرة الثانية وهي عشرة الخَلق وتعني ثلث الشهر الخاص بتجهيز ملابس العيد، ثم بعد ذلك تتفرغ السيدات لعشرة الحَلقالأخيرة التي يتم خلالها تجهيزمخبوزات عيد الفطر من الكعك والمنين والقراقيش.

قبل أن ينتصف شهر شعبان من كل عام تبدأ السيدات النوبيات في تجهيز مشروب الآبريه الذي لاتخلو منه مائدة رمضانية في النوبة وأسوان ، فهذا المشروب المتوارث منذ زمن طويل يتميز بفوائد عظيمة تمد الجسد بالطاقة والحيوية بعد الصيام.

وتقول كريمة بكار من قرية الكرور النوبية إن الآبريه هو المشروب الأول في النوبة ولا تخلو أي مائدة نوبية منه طوال شهر رمضان الكريم، ونحن كنوبيات نبدأ التجهيز لرمضان بإعدادالمشروبات والأكلات التى تشتهر بها النوبة ومنهاالآبرية الذي نقوم بإهدائه للأهل والأصدقاءوالجيران كعادتنا كل عام .

وأوضحت 'بكار' بأن الآبرية يُصنع من خلال خلط دقيق القمح مع دقيق الذرة وإضافة الملح والماءوالحبهان والحلبة والكمون قبل أن يُعجن جيدا ويترك لمدة يومين أو ثلاثة لاستكمال عملية التخمر، وبعد التخمر يتم وضع العجين برقائق رقيقة على صاج الدوكة الساخن باستخدام قطعة نصف دائرية من الخشب مخصصة لذلك وترفع بعد ذلك بالسكين ويتم وضعها علی 'الشور' و'التاجدي' أي الأطباق النوبية ويتم فرش الرقائق بعد ذلك علی 'النبيد' وهو نوع من الحصير النوبي لحين جفافه وتقطيعه لقطع صغيرة.

وتقول زينب متولي من جزيرة هيسا النوبية إن أبناء النوبة يفضلون تناول مشروب الآبرية علی الإفطار بعد خلطه بالليمونلأنه يساعد على ترطيب الجسم كما يكون عاملا مساعدا علی تخفيف حدة الشعور بالعطش، وأضافت بأن هذه الأيام هی أيام خير وبركة ومحبة تتجمع خلالها سيدات النوبة في بيت واحد لتجهيز الآبرية وسط فرحة شديدة، وتوضح زينب بأن'الشليه سوكو' هو من أشهر الأطباق النوبية في السحور وهو عبارة عن شعرية باللبن ويتم خبزها قبل شهر رمضان وتوضع في ماء مغلي ويضاف لها اللبن والسكر والسمن البلدي.

يعد 'الكابد' من الأشهر المأكولات النوبية المفضلة لدى النوبيين في شهر رمضان، وعنه تقول جميلة الجزائرية من مركز نصر النوبة أن الكابدعبارة عن عجينة تُخبز على الدوكة الحديدية وتشبه القطائف، ثم يتم تفتيتها على 'الويكة' البامية المجففة الخضراء وهي ساخنة، كما يمكن أن يقدم في رمضان كنوع من الحلوي عقب تحليته بالعسل الأسود والسمن.

وتنتقل جميلة للحديث عن 'الخماريت' وهو عبارة عن عجين يشبه 'الكريب' في الوقت الحالي ويُخبز على 'الدوكة' من خلال طبقات رقيقة، ويفضل النوبيون تناوله كخبز مع الملوخية 'الجاكوت 'أو 'الإتر'بلغة النوبة، نظرا لتميزه بنكهة تختلف عن أي خبز آخر، والخماريت يخبزه أهل النوبة بكميات كبيرة ويتم حفظه في الثلاجات ليكون جاهزا في أي وقت.

النشاب الذي تتميز به موائد القبائل العربية في أسوان هو عبارة عن رقاق يتم نقعه في المَرقة وشوربة اللحوم لتجهيز أطباق الفتة عند الإفطار، كما يقدم أحيانا كنوع من الحلوی بعد إضافة اللبن.

ومن قرية 'بنبان' بغرب النيل في مركز دراوتقول سيدة عيسی أن تجهيز النشاب يبدأ عقب ليلة النصف من شعبان، وهو عبارة عنعجائن سميكة من دقيق القمح المخلوط بالماء والملح سواء بدون خميرة أو بخميرة 'البرباسة ' التي يتم عملها بواسطة ربة المنزل من عجينة عيش الملتوت 'الخبز البلدي الشمسي' علی شكل كرة صغيرة يتم وضعها وسط الدقيق ليتخمر وعقب تجهيز العجين يتم استخدام عصا النشابة في فرد العجينة علی طبلية كبيرةقبل إدخالها الفرن البلدي 'الطابونة ' وبعد ذلك يتم تخزينها.

دائما ما يحرص أهالي أسوان علی تناول خبز السناسن في وجبة الإفطار خلال شهر رمضان، فهو خفيف علي المعدة وسريع الهضم، ويُصنع خبز 'السناسن' كما توضح أسماء الأمين 'موظفة ' قائلة إن الأصل في مكوناتها دقيق الذرة العويجي 'الرفيعة' بالإضافة إلی خليط من الدقيق البلدي والماء الذي يترك لفترة حتي يتخمر ويتم تقليبه حتي يصبح العجين متماسكا بعض الشيء، وبعد ذلك يوضع علي فرن الدوكة الشهيرة لمدة دقائق معدودة حتی ينضج ثم يتم رفع هذا الخبز وهكذا، وتضيف بأن 'السناسن' يتم تقديمه علی شكل قطع صغيرة في طبق كبير ثم يضاف له الملوخية أو البامية الفرك الخضراء ويؤكل باليد وليس بالمعلقة ، وهو من أشهر الخبز في مدينة أسوان والسودان مع الرغيف الشمسي المعروف ب'الملتوت'.

تتفرد المشروبات الأسوانية في شهر رمضان بارتباطها بعادات وموروثات أهل أسوان بكافة قبائلهم، فهی إما منتج لمحصولات زراعية في الجنوب، أو يتم استيرادها من السودان الشقيق مثل الدوم والكركدية والعرديب، أما الجّبنة بتشديد الجيم فهی من أهم مشروبات الإفطار التي تعدل المزاج عند قبائل البشارية والعبابدة بعد الصيام.

ويقول الشيخ نصر كرار شيخ البشارية في أسوان إن 'الجّبنة' وهی القهوة البشارية من أهم مشروبات موائد رمضان، سواء في المدينة أو وادي العلاقي والصحراء الشرقية، فهی مشروب خاص جدا وعبارة عن بن غير مطحون يتم طحنه بمطحنة وقت تجهيزه فقط بعد الإفطار، وبعد إتمام الطحن جيدا يتم خلطه بالحبهان ويضاف له المِستكة، وعلي جمر الفحم يوضع في إبريق فخاري تنتهي فوهته بمصفاة طبيعية من الليف حتي تمام غليه ويصب في فناجين صغيرة جدا.

وأضاف 'كرار' بأن العبابدة والبشارية يتناولون الجّبنة في حلقات تجمعهم بعد صلاة التراويح كأحلی مذاق لفنجان قهوة عربي أصلي، وقال شيخ مشايخ القبيلة بأن تقديم الجّبنة في عرف البشارية والعبابدة يعد إكراما وتشريفا للضيف والمضيف، ورفض تناوله يعد عيبا كبيرا في حق من يقدمه.