اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يستعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لزيارة إلى واشنطن في نوفمبر الجاري، في وقت يعتقد فيه أنّ إدارة ترامب تسعى إلى استثمار الديناميكا الإقليمية لصالح مشروعها للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة.
هذه الزيارة تُعدّ مؤشرًا هامًا على أن واشنطن تسعى إلى استعادة الزخم في علاقاتها مع الرياض، و“إعادة ضبط” العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وفقًا لتحليل نشره المجلس الأطلسي، ومقره واشنطن.
في هذا الإطار، يأتي ملف التطبيع السعودي–الإسرائيلي كأحد أبرز الملفات على طاولة القمة السعودية الأمريكية المنتظرة، إذ تعتبر السعودية الاشتراطات الفلسطينية ركيزة أساسية لتنفيذ أي تطبيع رسمي، بينما يظهر الرئيس ترامب موقفًا مختلفًا أو أقل تشدّدًا، وهو ما أثار جدلًا واسعًا. مثلًا، صحيفة تايمز أوف إسرائيل نقلت أن ترامب قال إن السعودية “لا تطالب بإقامة دولة فلسطينية” لتمهيد التطبيع.
زيارة ولي العهد إلى واشنطن: الأجندة والدلالات
زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن يُمكن أن تُقرأ من زاويتين رئيسيتين: الأولى سياسية ـ استراتيجية، والثانية اقتصادية واستثمارية. فعلى الصعيد السياسي، تُعطي الرياض من خلالها إشارة إلى أنها شريك أمريكي قابل للانخراط في ملفات أمنية واقتصادية حيوية، وهو ما يُعدّ تأكيدًا على أن المملكة ما زالت لاعبًا مركزيًا في النظام الدولي للشرق الأوسط.
أما من الناحية الاقتصادية، فيُعتقد أن ملف الاستثمارات الضخمة السعودية في الولايات المتحدة سيكون أحد محاور اللقاء: حيث تتطلّع واشنطن إلى جذب رؤوس أموال سعودية لتعزيز النمو الاقتصادي، بينما تسعى الرياض إلى تحقيق تنويع أكبر لاقتصادها والخروج من اعتماد النفط.
في هذا الصدد، ورد أن الأمير محمد بن سلمان تعهّد باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة.
لكن اللافت أن هذه الزيارة تأتي في ظلّ توترات حول ملف التطبيع مع إسرائيل. فبينما تُصرّ الرياض على ضرورة إقامة دولة فلسطينية كشرط لأي تطبيع، جاء موقف ترامب ليُضعف من هذا الشرط، وهو ما جعل العلاقة بين الطرفين أكثر تعقيدًا، وفقًا لصحيفة لوموند الفرنسية.
موقف ترامب من شرط “دولة فلسطينية” للتطبيع
في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال ترامب إن السعودية “لا تطالب بإقامة دولة فلسطينية” كشرط للتطبيع مع إسرائيل.
هذه التصريحات لاقت رد فعل فوريًا من السعودية التي أكّدت أنها لن تُقيم علاقات مع إسرائيل من دون التزام واضح بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل.
ومن زاوية تحليلية، يُمكن تفسير هذا التباين في المواقف بأن ترامب يحاول تعجيل صفقة تطبيع سعودية–إسرائيلية تحت مظلّة أمنية واقتصادية، بينما تعتبر الرياض أن ملفات مثل القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات لا يمكن تجزئتها.
هذا التصادم يُعطي بعدًا استراتيجيًا للزيارة إلى واشنطن، إذ إن الرياض ستحاول من خلال اللقاء الدفع بجدول أعمالها الخاص ـ وليس فقط الموافقة على جدول الولايات المتحدة ـ وهو ما قد يؤدي إلى تفاوض معرفي وليس مجرد تنفّذ مبادرة أمريكية.
هناك عدّة عوامل دفعت هذه الزيارة إلى المقدّمة:
1. تحولات إقليمية جديدة: مع الحرب في غزة والاضطرابات في الشرق الأوسط، تمثّل السعودية بوابة استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، ومن ثم فإن لقاء محمد بن سلمان يُعدّ إعادة تموضع للعلاقات.
2. الحاجة السعودية إلى دعم دولي وسياسي: تواجه المملكة تحدّيات أمنية واقتصادية، ومن خلال تعزيز العلاقة مع واشنطن تسعى إلى ضمان مكانتها في النظام العالمي.
3. ضغط ترامب لإتمام تطبيع مع إسرائيل: ترامب يرى أن أوروبا والولايات المتحدة يمكنهما توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية، والسعودية تُعتبر “الجائزة الكبرى” لدى إسرائيل. لكن هذا الأمر يعرّضه لتحدٍّ أمام سياسة الرياض المعروفة بتمسّكها بمبادرة السلام العربية.
4. الشروط السعودية للدولة الفلسطينية: استمرار الرياض في ربط التطبيع بإقامة دولة فلسطينية وضّح أن خطة ترامب ستحتاج إلى معالجة هذه النقطة بواقعية وليس تصريحًا عابرًا.
من شأن إنجاز زيارة ناجحة أن تعزز التحالف الأميركي–السعودي وتفتح مسارات اقتصادية واستثمارية بين البلدين.
إذا استطاعت السعودية والولايات المتحدة تقديم رؤية مشتركة تجاه التطبيع ومبادرات السلام، فقد تُحدث تغييرًا في موازين القوة الإقليمية.
بالنسبة للسعودية، تمكُّنها من استثمار الموقع والجغرافيا والموارد قد يعزّز رؤيتها لـ«رؤية 2030» ويُعزّز مصداقيتها الدولية.
إذا اكتشف الجانبان أن سقف التوقعات غير قابل للتحقيق—لا سيما شرط الدولة الفلسطينية—فقد تُصيب العلاقة بخيبة أو توترات لاحقة. السعودية سبق وأكدت أنها لن تتخلى عن هذا الشرط.
وقد يُنظر إلى تطبيع سعودي–إسرائيلي بدون معالجة قضيّة الفلسطينيين باعتباره تنازلًا من الرياض لتضغط من الداخل أو من الشارع، ما قد يضرّ بسمعة المملكة إقليميًا.
لكن اعتماد ترامب على خطوات سريعة للتطبيع قد يُخاطر بإقحام السعودية في صدامات سياسية أو أمنية غير مرغوبة، خاصة إذا تم تجاهل البعد الفلسطيني أو الأمني الإيراني.
التوقعات لنتائج الزيارة
من المتوقّع أن تتضمّن الزيارة إلى واشنطن:
توقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية بين المملكة والولايات المتحدة، ربما تشمل قطاعات الطاقة والتقنيات الحديثة.
محادثات أمنية تشمل ملف إيران والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تُعد السعودية لاعبًا رئيسيًا في هذه الساحة.
إعادة التأكيد السعودي على أن التطبيع مع إسرائيل سيشترط إقامة دولة فلسطينية، وأن أي معادلة جديدة في الشرق الأوسط لا يمكن أن تستثني هذا البعد.
وقد يسعى ترامب للضغط على الرياض لتقديم تنازلات تجاه إسرائيل—منها ربما السماح بتحركات دبلوماسية أو أمنية مشتركة—لكن من دون تجاوز “خطّ أحمر” سعودي يُتمثل بالقضية الفلسطينية.
في هذا المشهد، يظهر ترامب كطرف يسعى لتحقيق انتصار دبلوماسي كبير عبر تحفيز التطبيع السعودي–الإسرائيلي، لكن طموحه يصطدم بسياق سعودي أكثر حذرًا، يقف فيه ملف الفلسطينيين كحائط صد.
إذا ما نجحت الزيارة في التوفيق بين هذه الرؤية الأمريكية الساعية للتطبيع السريع والرؤية السعودية المتشددة تجاه الدولة الفلسطينية، فقد يشهد الشرق الأوسط تحولًا جديدًا.
أما إذا فشلت في استيعاب هذه القناعات المتبادلة، فستبقى العلاقات تُدار على أساس “اتفاق مشروط” بدلًا من “انفراج واضح”.


































