اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
تشير التطورات السياسية في بريطانيا إلى عودة ملحوظة لتأثير المدرسة 'البليرية' داخل حكومة حزب العمال الحالية، من خلال شبكة من المستشارين والسياسات القديمة التي يجري إحياؤها بصورة غير مباشرة.
ويُرجّح مراقبون أن هذا النفوذ المتنامي يعكس محاولة الحزب الاستفادة من خبرة مرحلة 'العمال الجديد' التي قادها بلير قبل عقدين، لمجاراة التحولات الاقتصادية والسياسية الراهنة، وفقا لصحيفة الإندبندنت.
وبحسب الخبراء، فإن الأداء السياسي لرئيس الوزراء الحالي بدا أكثر تماسكًا وسلاسة في الآونة الأخيرة، نتيجة لوجود فريق استشاري يمتد بجذوره إلى تلك المدرسة التي ركزت على مخاطبة الطبقة الوسطى المحافظة، وإعادة صياغة الخطاب السياسي للحزب بطريقة أكثر احترافية واتصالًا بالإعلام.
ويرى باحثون أن هذه العودة 'غير المعلنة' لأنصار النهج البليري تعكس ثقة القيادة الحالية بخبرة الوجوه القديمة، خصوصًا في التعامل مع تحديات مثل تصاعد الأحزاب الشعبوية، وقضايا الهجرة والنمو الاقتصادي، والتوترات الدولية التي تلقي بظلالها على الداخل البريطاني.
دوائر نفوذ تتجدد
وفقًا لمصادر سياسية مطلعة، استعانت الحكومة بعدد من الشخصيات ذات الصلة بعهد بلير، في مواقع استشارية عليا، بعضها في مجالات الإعلام والاتصال، وأخرى في الأمن القومي والسياسات العامة.
ويعتقد المراقبون أن تلك التعيينات لم تأتِ صدفة، بل تمثل سعيًا واضحًا لإعادة تدوير الخبرة السياسية التي صاغت 'العمال الجديد' في التسعينيات.
ويشير محللون إلى أن بعض تلك التعيينات أثارت جدلًا، سواء بسبب ارتباطات سابقة مثيرة للجدل أو لتقاطع المصالح بين السياسة والمال، إلا أن القيادة الحالية تمسكت بخيارها، معتبرة أن الكفاءة والخبرة أولوية في هذه المرحلة الحساسة.
نفوذ يمتد إلى الملفات الدولية
يؤكد مراقبون أن نفوذ المدرسة البليرية لا يقتصر على الشؤون الداخلية، بل يمتد إلى الملفات الخارجية، وفي مقدمها الحرب في غزة.
ويُعتقد أن هناك دورًا غير مباشر لشخصيات مقربة من بلير في رسم ملامح الموقف البريطاني من الأزمة، خاصةً في ما يتعلق بخطط إعادة الإعمار ووقف إطلاق النار، بالتنسيق مع أطراف دولية وإقليمية عدة.
وبحسب الباحثين، فإن هذه التحركات تعيد إلى الأذهان الدور الذي لعبه بلير بعد مغادرته منصب رئاسة الحكومة، حين سعى إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في غزة كمدخل لتحقيق الاستقرار السياسي، وهو النهج الذي يبدو أنه يعود اليوم بشكل مختلف تحت المظلة الجديدة للحزب.
يرى المحللون أن تأثير النهج البليري يظهر بوضوح في تبنّي الحكومة بعض السياسات التي كانت قد طُرحت قبل عقدين، مثل فكرة 'بطاقات الهوية الرقمية' وتوسيع دور التكنولوجيا في الخدمات العامة، وهي سياسات كانت مثار جدل في السابق، لكنها تعود اليوم كحلول واقعية لمشكلات البيروقراطية وتراجع الكفاءة.
ويشير مراقبون إلى أن التحول التكنولوجي في النظام الصحي البريطاني، والاتجاه نحو 'الطبيب الرقمي' والذكاء الاصطناعي في التشخيص، يحمل بصمات فكرية قريبة من مدرسة بلير التي طالما ربطت بين الحداثة والتكنولوجيا والإصلاح الإداري.
شراكة المصالح الجديدة
يرى باحثون أن جزءًا من النفوذ الجديد يرتبط بشبكة العلاقات بين معهد بلير ومؤسسات التكنولوجيا العملاقة، التي تدعم مشروعات رقمية في مجالات مثل الصحة والبنية التحتية والذكاء الاصطناعي.
ويعتبر هذا التعاون بين السياسيين والتقنيين مؤشرًا على تزاوج المصالح بين القطاعين العام والخاص في صياغة السياسات المستقبلية.
ويحذر بعض المراقبين من أن هذا التقاطع قد يفتح الباب أمام تضارب في المصالح أو هيمنة الشركات على القرارات الحكومية، في حين يرى آخرون أن هذه الشراكات تمثل ضرورة لمواكبة التحولات التكنولوجية العالمية.
عودة الظل القديم
وفقًا لتحليلات سياسية، فإن المرحلة الراهنة تمثل عودة رمزية للحقبة التي نجح فيها حزب العمال في الجمع بين الواقعية الاقتصادية والطموح الاجتماعي، وهي الصيغة التي سمحت له سابقًا بالوصول إلى فئات أوسع من الناخبين.
ويشير المراقبون إلى أن الحزب اليوم يستحضر تلك التجربة كمصدر إلهام أكثر منه كخطة جاهزة، مستفيدًا من إرث سياسي أثبت قدرته على الجمع بين الإصلاح الاقتصادي والاستقرار السياسي.
وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن 'روح بلير السياسية' لم تغادر المسرح البريطاني فعليًا، بل أعادت التموضع في الظل، كعقلٍ استشاري يهمس في أذن القيادة الجديدة، ويمهد لما يمكن وصفه بـ'العودة الهادئة للعمال الجديد'.