اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٢ حزيران ٢٠٢٥
تتصاعد وتيرة الجدل في الداخل الأمريكي في أعقاب الضربات العسكرية التي وجهتها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد منشآت نووية إيرانية، ما أثار دعوات صريحة لعزله من قبل بعض الأطراف السياسية، في حين تستمر قاعدته التي تحمل شعار 'لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى' (MAGA) في الالتفاف حوله، وإن كانت هناك بعض التصدعات اللافتة، ويعكس هذا المشهد السياسي المعقد حالة من الانقسام العميق حول صلاحيات الرئيس، وحول مستقبل التدخل الأمريكي في صراعات الشرق الأوسط.
ترامب يشعل جدلا دستوريا: معركة صلاحيات الحرب
أشعل قرار الرئيس ترامب بشن غارات جوية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية، بما في ذلك منشأة فوردو المستعصية على الاختراق، دون الحصول على موافقة مسبقة من الكونجرس، فتيل أزمة دستورية كبرى. فبينما يمنح الدستور الأمريكي صراحة سلطة إعلان الحرب للكونجرس (المادة الأولى، القسم 8)، يمارس الرؤساء بشكل متزايد سلطات عسكرية واسعة دون هذا التفويض الرسمي. وقد فاقم هذا الجدل 'قانون صلاحيات الحرب لعام 1973'، الذي يهدف إلى تقييد سلطات الرئيس في إشراك القوات الأمريكية في صراعات مسلحة دون موافقة الكونجرس، إلا أن فعاليته ظلت محل نقاش.
سارع كبار أعضاء الحزب الديمقراطي، غرماء ترامب ومنافسوه الرئيسيين، إلى إدانة تصرف ترامب بشدة وصرح حكيم جيفريز، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، بأن الرئيس 'ضلل البلاد بشأن نواياه، وفشل في طلب تفويض الكونجرس لاستخدام القوة العسكرية، ويخاطر بتورط أمريكي في حرب كارثية محتملة في الشرق الأوسط'. كما حمل جيفريز لترامب 'المسؤولية الكاملة عن أي عواقب سلبية تنجم عن عمله العسكري الأحادي'، وذلك وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
من جانبه، طالب السيناتور تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، 'إجابات واضحة' من ترامب ودعا إلى تصويت فوري على تشريع يطالب بتفويض صريح من الكونجرس لأي استخدام للقوة العسكرية. وكانت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز أكثر صراحة، حيث دعت علانية إلى 'عزل ترامب' بسبب هذه الخطوة التي كانت على درجة من التهور، واصفة إياها بأنها 'انتهاك جسيم للدستور وسلطات الكونجرس في الحرب'، وأنها 'بشكل مطلق وواضح، تمثل أساسًا لعزله'، وفقًا لموقع صحيفة نيويورك بوست وإن بي سي نيوز.
كما وصف السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن هذا القرار بأنه 'حرب اختيارية'، ورأى أن 'حرب العراق بدأت أيضًا بذريعة كاذبة'، مشددًا على ضرورة عدم انضمام الولايات المتحدة إلى 'حرب نتنياهو'، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
تباين مواقف الجمهوريين
على الجانب الجمهوري، تباينت المواقف. فقد أشاد رئيس مجلس النواب مايك جونسون والسيناتور جون ثون، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، بالعملية العسكرية، معتبرين إياها 'ضرورية' للحد من طموحات إيران النووية. وأكد جونسون أن هذا الإجراء يتفق مع 'السياسة الخارجية القوية' لترامب، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. ومع ذلك، عبر بعض المشرعين الجمهوريين، مثل النائب توماس ماسي، عن تحفظاتهم، حيث كتب على منصة 'إكس' (تويتر سابقًا) أن الهجوم 'ليس دستوريًا'، وفقًا لموقع إن بي سي نيوز، وذلك بعد أن كان قد قدم مشروع قرار قبل الهجمات بأيام يتطلب موافقة الكونجرس على أي عمل عسكري ضد إيران.
ترامب يراهن على 'الرجل القوي' وتداعيات 'المقامرة الكبرى'
يُشكل قرار ترامب بالتدخل العسكري المباشر في إيران ما وصفته صحيفة فايننشال تايمز بأنه 'أكبر مقامرة' له خلال فترة رئاسته. يهدف ترامب من خلال هذه الضربات إلى إظهار قوة الولايات المتحدة، وكسر ما يراه ضعفًا في الإدارات السابقة، لا سيما إدارة جو بايدن. يراهن ترامب على أن إيران ستخضع وتتجه نحو 'تسوية سريعة' بدلًا من الرد، محققًا بذلك هدف السياسة الخارجية الأمريكية المتمثل في القضاء على التهديد النووي الإيراني 'بتكلفة منخفضة نسبيًا'، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
هذا التحول في نهج ترامب، الذي لطالما وعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيكون 'صانع سلام' ويتجنب 'الحروب الأبدية'، يأتي تحت ضغط من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لقد رأى ترامب في هذه الضربات فرصة لترسيخ إرثه كقائد مستعد لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية. وقد تجلى ذلك في الصور التي نشرها البيت الأبيض لترامب وهو يراقب الضربات من غرفة العمليات مرتديًا قبعة 'اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى' الحمراء، وهو ما يعزز صورته كـ'الرجل القوي'، وفقًا لموقع ياهو نيوز.
وفي خطاب عقب الضربات، حذر ترامب من أنه مستعد لتوسيع الحملة العسكرية إذا لزم الأمر، قائلًا: 'إما أن يتحقق السلام أو تقع مأساة لإيران، أكبر بكثير مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية... تذكروا، لا يزال هناك العديد من الأهداف... ولكن إذا لم يتحقق السلام بسرعة، فسوف نلاحق تلك الأهداف الأخرى بدقة وسرعة ومهارة'، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
وصف ديفيد جاردنر في مقال نشره موقع 'ذا ديلي بيست' هذه الخطوة بأنها 'المقامرة القصوى' لترامب لإثبات أنه ليس 'رئيسًا يتهرب دائمًا ويتراجع غالبًا'، واراد أن يبرهن أن رسالته إلى أعدائه واضحة: 'سينفذ تهديداته بالفعل'. ويشير المقال إلى أن مصير رئاسة ترامب بات يعتمد على نتائج هذه المواجهة، وأن 'كل أمريكي يجب أن ينظر الآن خلف كتفه' تحسبًا لأي هجمات انتقامية محتملة.
جماعة 'MAGA' تلتف حول الرئيس... وتصدعات لا تخفى على أحد
على الرغم من دعوات العزل والانتقادات اللاذعة من الديمقراطيين، تواصل قاعدة ترامب الصلبة من مؤيدي 'MAGA' الالتفاف حوله بشكل عام، وإن كانت بعض التصدعات قد بدأت تظهر بتلك القاعدة الجماهيرية كذلك. فالدعم القوي من قيادة الحزب الجمهوري، كما أوضحه رئيس مجلس النواب مايك جونسون الذي أثنى على 'العمل الحاسم' لترامب، يوفر له غطاءً سياسيًا مهمًا، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز. وحتى السيناتور جون فيترمان، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، كان من الديمقراطيين القلائل الذين أبدوا دعمًا فوريًا للضربات، واصفًا إياها بأنها 'الخطوة الصحيحة'، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
ومع ذلك، برزت أصوات معارضة داخل معسكر 'MAGA' نفسه، لا سيما من تلك الفئة التي تتبنى نهجًا انعزاليًا وتعارض التدخلات العسكرية الخارجية. فقد صرحت النائبة مارجوري تايلور غرين، من أبرز مؤيدي ترامب، قبل الهجمات بساعات: 'في كل مرة تكون أمريكا على وشك العظمة، ننزلق إلى حرب أجنبية أخرى'، مضيفةً أن 'هذه ليست حربنا'، وفقًا لموقع إن بي سي نيوز. ويؤكد هذا التباين أن ترامب يواجه تحديًا في الموازنة بين وعوده بعدم التورط في 'حروب لا نهاية لها' وبين رغبته في إظهار القوة العسكرية.
تداعيات محتملة ومستقبل غامض للصراع
تحمل الضربات الأمريكية مخاطر هائلة قد تؤدي إلى تصعيد واسع في الشرق الأوسط، مما يهدد أمن الولايات المتحدة وإسرائيل. حذر بريان كاتوليس، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط، من أن 'شبكة إيران في جميع أنحاء المنطقة لا تزال فتّاكة عمليًا، وهي قادرة على زرع المزيد من عدم الاستقرار والإرهاب إذا اختارت ذلك'، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
تشمل الردود الإيرانية المحتملة استهداف القوات أو الأصول الأمريكية في المنطقة، أو البنية التحتية للطاقة، أو حتى إغلاق مضيق هرمز، وهو ممر ملاحي حيوي.
وقد يؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، مما يهدد الاقتصاد العالمي. كما أن إيران تتمتع بدعم من حلفاء أقوياء مثل روسيا والصين وباكستان، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية، مما يزيد من تعقيد المشهد. وقد حذرت إيران نفسها من أن أي تدخل أمريكي سيكون 'وصفة لحرب شاملة في المنطقة'، وفقًا لصحيفة الوطن.
على الصعيد الداخلي، كشفت استطلاعات الرأي قبل الضربات معارضة واسعة للتدخل العسكري الأمريكي المباشر في الصراع الإيراني الإسرائيلي. فعلى الرغم من أن غالبية الأمريكيين يعتبرون إيران تهديدًا خطيرًا (73% وفقًا لاستطلاع فوكس نيوز، إلا أن 60% منهم عارضوا التدخل العسكري الأمريكي المباشر،، ويشير هذا التناقض إلى أن الجمهور الأمريكي يعرب عن القلق من التورط في حرب جديدة، ويفضل في الغالب البقاء 'خارج الصراع تمامًا' أو الاكتفاء بـ 'مشاركة محدودة' عبر الدبلوماسية، وفقًا لمجلة نيوزويك.
مخاوف اقتصادية عميقة لدى معارضي حرب ترامب
تتجاوز مخاوف معارضي ترامب في الولايات المتحدة الجدل الدستوري والسياسة الخارجية لتمتد إلى تداعيات اقتصادية خطيرة جراء التدخل العسكري في إيران. يخشى هؤلاء من أن يؤدي أي تصعيد في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني، ما سيثقل كاهل المستهلك الأمريكي ويزيد من تكلفة المعيشة. قد يؤدي ذلك إلى تباطؤ اقتصادي أو حتى ركود محتمل، خاصة في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق العالمية. كما يرى المعارضون أن هذا التدخل قد يصرف الانتباه والموارد بعيدًا عن التحديات الاقتصادية الداخلية الملحة، مثل التضخم وارتفاع الديون، ويهدد بعرقلة النمو الاقتصادي، ما يؤثر سلبًا على فرص العمل والاستثمار. باختصار، فإنهم يرون أن مقامرة ترامب العسكرية تحمل في طياتها مخاطر اقتصادية قد تدفع بالولايات المتحدة نحو أزمة جديدة.
بالنسبة لمعدلات موافقة ترامب الرئاسية، فقد شهدت تراجعًا قبل الضربات، حيث وافق 41% فقط من الأمريكيين على أدائه، بينما عارض 54%، وفقًا لموقع YouGov. ورغم أن مؤيدي تيار 'MAGA' الأكثر ولاءً (65%) أظهروا دعمًا للضربات، إلا أن هذا الدعم لم يكن بنفس القوة بين 'الجمهوريين التقليديين' (51%)، وفقًا لموقع نيوزويك. يضع هذا ترامب في موقف حساس؛ فبينما يعتمد على قاعدته الجماهيرية، إلا أنه يواجه تحديًا في حشد دعم أوسع للتدخل العسكري المباشر، فهل مقامرة ترامب من شأنها إجبار إيران على التراجع وتحقيق السلام الذي طالما تحدث عنه، أم أنها ستُشعل صراعًا أوسع وأكثر خطورة في الشرق الأوسط، يهدد بتقويض رئاسته وربما جر المنطقة إلى فوضى غير مسبوقة؟
