اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
في زحمة الحياة، وبين دوامة السعي وراء لقمة العيش، والبحث عن مكانة اجتماعية أو استقرار مادي، يغيب الكثير من الآباء عن المشهد الحقيقي لأبنائهم. يغيبون بأجسادهم أحيانًا، أو بحضورهم الشكلي دون أن يتركوا بصمة وجدانية يشعر بها الصغار. مسلسل 'بابا فين' الذي يقوم ببطولته الفنان أكرم حسني، لم يكن مجرد عمل درامي عابر، بل كان مرآةً لقضية إنسانية واجتماعية عميقة؛ قضية غياب الأب عن حياة أبنائه، ذلك الغياب الذي قد يبدو مبررًا من منظور المسؤوليات، لكنه يترك آثارًا نفسية لا تُمحى في وجدان الأبناء.
الأب هو السند والأمان، وهو الذي يمنح الطفل شعورًا بالثقة والانتماء. وحين ينشغل عن دوره التربوي والوجداني، ينشأ جيل يشعر بالتيه والفراغ العاطفي. قد يكون حاضرًا بماله وبتوفيره لمتطلبات الحياة، لكنه يغيب بقلبه وصوته ووقته. هذا الغياب يُترجم في صورة أطفال يتساءلون بصوت مسموع أو صامت: 'بابا فين؟'، سؤال لا يبحث عن موقع جسدي، بقدر ما يبحث عن احتواء ومشاركة واهتمام.
الأثر النفسي لغياب الأب يتجلى في القلق، وضعف الثقة بالنفس، وشعور الطفل بعدم الأهمية. علم النفس يؤكد أن حضور الأب ليس ترفًا، بل حاجة أساسية لنمو سوي ومتوازن. فالعاطفة التي يزرعها الأب في أبنائه تصبح حصنًا لهم أمام قسوة الحياة. أما حين يُترك الطفل بلا هذا الحضن، فإنه يواجه فراغًا يصعب أن يملؤه أي بديل.
المسلسل، وإن جاء في إطار درامي كوميدي، فإنه دق ناقوس خطر وأضاء الإشارة الحمراء لواقع يعيشه الكثير من الأسر. لقد كشف أن الأبناء لا ينتظرون الكثير، إنما ينتظرون لحظة صدق، كلمة حانية، ووقتًا بسيطًا يربطهم بأبيهم أكثر مما تربطهم به مشاغل الدنيا.
غياب الأب ليس قدرًا محتومًا، بل هو خيار يمكن للآباء مراجعته قبل أن يفوت الأوان. فالحياة تمضي، والأبناء يكبرون، وما يضيع من لحظات لن يعود. دعونا نصنع ذكريات مع أولادنا قبل فوات الأوان، لأن الذكريات وحدها هي التي تبقى في وجدانهم، وتبقى معنا حين تعجز الأيام عن العودة إلى الوراء. فالعمل والمال يذهب، أما اللحظة الصادقة مع الأبناء فهي الباقية للأبد.