اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
تشهد إثيوبيا تحولًا نوعيًا في أدواتها السياسية والإعلامية، حيث أصبحت التقنيات الرقمية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والدعاية البصرية، جزءًا محوريًا من استراتيجية الدولة لتعزيز نفوذها الإقليمي.
هذا التحول يرتبط مباشرة بطموحات رسمية معلنة للوصول إلى منفذ بحري دائم، وعلى وجه التحديد ميناء عصب الإريتري، الذي يُنظر إليه في الخطاب الإثيوبي الرسمي باعتباره 'حقًا تاريخيًا' و'ضرورة استراتيجية' لأمن البلاد واقتصادها، وفقًا لصحيفة جلوبال فويسز، ومقرها واشنطن.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإثيوبية لا تستخدم هذه الأدوات بشكل عشوائي، بل ضمن منظومة إعلامية منسقة تُدار من قبل مؤسسات رسمية وشبه رسمية، تهدف إلى تشكيل الرأي العام الداخلي والخارجي بما يخدم أهداف الدولة.
ويُلاحظ أن الخطاب الرسمي بات أكثر اعتمادًا على المحتوى الرقمي المُنتج عبر الذكاء الاصطناعي، سواء في شكل صور رمزية أو مقاطع فيديو تُظهر إثيوبيا كقوة إقليمية صاعدة، قادرة على استعادة مكانتها التاريخية في البحر الأحمر.
وقد شارك مسؤولو حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد بشكل مباشر في الترويج لهذا المحتوى، خاصة خلال المناسبات الوطنية الكبرى مثل افتتاح سد النهضة. استخدم كل من آبي أحمد، ووزير الاتصال الحكومي جيجيسي تولو، ووزير العدل جديون تيموثيوس حساباتهم الرسمية وخطاباتهم العامة لنشر صور ومقاطع فيديو معدلة رقميًا تُظهر السد كرمز للنهضة الوطنية والانتصار على الضغوط الخارجية. هذا التبني الرسمي يعكس استخدامًا استراتيجيًا للتقنيات الرقمية في تشكيل الرأي العام وتعزيز السردية القومية التي تدعم الطموحات الإقليمية، وعلى رأسها الوصول إلى ميناء عصب.
وفي امتداد لهذا التوجه الرقمي، برز ميناء عصب كرمز مركزي في الحملات البصرية التي تُروج لها الحكومة. إذ تُظهر المواد الدعائية الميناء كموقع 'مغتصب' يجب استعادته، وتُربط هذه السردية بمفاهيم السيادة الوطنية والنهضة الاقتصادية. وقد تم تداول صور معدلة رقميًا تُظهر السفن الإثيوبية ترسو في الميناء، إلى جانب خرائط تاريخية تُعيد رسم الحدود البحرية بطريقة تُعزز من المطالب الإثيوبية، وتُضفي شرعية رمزية على الخطاب السياسي.
ولا يقتصر الدور الرسمي على الترويج، بل يشمل أيضًا توجيه الخطاب السياسي الداخلي نحو دعم هذه الطموحات. فقد ألقى مسؤولون حكوميون، بمن فيهم آبي أحمد، تصريحات علنية تربط بين 'الحق في الوصول إلى البحر' و'أمن إثيوبيا القومي'، مؤكدين أن البلاد لن تبقى 'محاصرة جغرافيًا' إلى الأبد. هذه التصريحات تُعزز من شرعية الخطاب الرقمي، وتمنحه غطاءً سياسيًا رسميًا، ما يجعل من الحملات الإعلامية امتدادًا مباشرًا للسياسات الحكومية.
من جهة أخرى، تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الخطاب العام، ورصد ردود الفعل على هذه الحملات، وتحديد الفئات المستهدفة والمعارضة بصفة خاصة بدقة. وتُستخدم هذه الأدوات أيضًا في تحليل المزاج الشعبي في دول الجوار، مثل السودان والصومال، بهدف التأثير على الرأي العام هناك، وتقديم إثيوبيا كقوة استقرار في مقابل تصوير الآخرين كعناصر فوضى أو تهديد.
هذا الاستخدام الرسمي للتكنولوجيا يثير تساؤلات حول مستقبل التوازن الإقليمي، خاصة في ظل غياب آليات رقابية على المحتوى الرقمي، وتزايد الاعتماد على أدوات التأثير غير التقليدية. كما يُخشى أن يؤدي هذا التوجه إلى تصعيد سياسي أو عسكري، إذا ما تم ترجمة الخطاب الإعلامي إلى خطوات ميدانية، خصوصًا في ظل التوترات التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا.
لكن الخبراء يرجحون أن توظيف الذكاء الاصطناعي والدعاية البصرية من قبل الدولة الإثيوبية لا يُعد مجرد تطور تقني، بل هو انعكاس لتحول في طبيعة الدولة نفسها، من فاعل تقليدي يعتمد على القوة العسكرية والدبلوماسية، إلى فاعل رقمي يستخدم أدوات التأثير الناعم لتحقيق أهداف استراتيجية، من بينها الوصول إلى ميناء عصب، الذي بات يمثل أكثر من مجرد منفذ بحري، بل رمزًا لطموح إثيوبيا في إعادة رسم خريطة نفوذها الإقليمي.