اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
في كل عام، ومع إعلان نتائج الثانوية العامة، تبدأ رحلة الترقب والقلق داخل آلاف البيوت المصرية. حلم الجامعة الذي طالما راود الأبناء يتحكم فيه جهة واحدة: مكتب التنسيق الجامعي.
لقد شُيِّد هذا المكتب ليكون حلقة الوصل بين الطالب ومقعده الجامعي، فهو الجهة المنوط بها توزيع الطلاب على الكليات المختلفة (الحكومية، الخاصة، والأهلية) بناءً على المجموع الكلي الذي حصل عليه الطالب في الثانوية العامة، في عملية تبدو للوهلة الأولى منظمة ومحايدة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا هو السبيل الأمثل لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص؟ هل نجح مكتب التنسيق في تحقيق هدفه؟
ما زال مكتب التنسيق يتعامل مع الطلاب وكأنهم أرقام في جداول، لا أرواح لهم، ولا طموحات، ولا قدرات متمايزة. كل من حصل على درجة أعلى نال مقعدًا في القمة، بصرف النظر عن رغبته وميوله، وما إذا كان يناسبه التخصص أم لا.
إلى متى ستبقى الدرجات وحدها هي المعيار الأوحد الذي يحدد مصير الطلاب؟
أين بقية العناصر التي تصنع طالبًا ناجحًا وإنسانًا منتجًا؟
أين الميول والرغبات؟ أين المهارات والقدرات؟ أين الثقافة الشخصية والاستعداد النفسي؟
إننا نغفل أهم ما في العملية التعليمية: الإنسان نفسه. ثم نعود بعد سنوات لنشتكي من ضعف مخرجات التعليم الجامعي، ومن خريجين يحملون شهادات لا تعكس أي توافق حقيقي مع قدراتهم ولا مع احتياجات المجتمع.
إن التعليم الجامعي ليس مجرد محطة بعد الثانوية، بل هو مرحلة تأسيسية في بناء الإنسان المهني والعلمي. ولهذا، لا بد أن تكون معايير القبول شاملة وموازنة، ومن أهمها:
التحصيل الأكاديمي: نعم، الدرجات مهمة، لكنها ليست كل شيء.
الميول والاهتمامات: الطالب الذي يدرس ما يحب، يبدع.
المهارات والقدرات: بعض التخصصات تتطلب مهارات تحليلية، أو إبداعية، أو تواصلية خاصة.
الاستعداد النفسي والدافعية: لا نجاح بدون رغبة حقيقية وتحمل للمسؤولية.
اختبارات القبول: تقيس الجاهزية الفعلية لكل تخصص.
الدعم الأسري والاجتماعي: فالتعليم لا ينفصل عن الواقع.
مراعاة سوق العمل: لا بد أن تتكامل الرغبة مع الحاجة المجتمعية.
هذه المعايير معًا تخلق بيئة تعليمية عادلة وفعالة، وتساعد الطالب على اختيار التخصص الذي يتناغم مع شخصيته وقدراته وطموحه.
إذا كنا نطمح إلى نظام تعليمي أكثر عدلاً وإنسانية وفاعلية، فعلينا أن نعيد النظر في فكرة مكتب التنسيق.
ولعل البديل الأكثر واقعية وشفافية أن يُتاح لكل طالب التقدم للكلية التي يرغب بها، عبر اختبار قبول متخصص تنظمه الكلية ذاتها، ويشمل:
تقييم تحصيله العلمي السابق، وقياس مهاراته، والتأكد من ملاءمة ميوله للتخصص.
دفع رسوم رمزية لدعم إجراءات التقييم.
وتُمنح الكليات الحق في تحديد معاييرها الخاصة بما يتوافق مع طبيعة التخصص، وأن تتولى لجنة أكاديمية مختصة مسؤولية القرار بقبول الطالب أو رفضه.
ولمن يخفق في المرة الأولى، يُسمح له بإعادة المحاولة برسوم جديدة، أو اختيار كلية أخرى يتقدم لاختبارها.
هكذا يصبح الطريق الجامعي فرصة عادلة لكل من يملك الطموح والقدرة.
تتولى هيئة تطوير التعليم تنظيم مواعيد اختبارات القبول، بحيث لا تتعارض مع بداية العام الدراسي الجامعي. بل ويمكن – إن رأت الهيئة – السماح بإجراء هذه الاختبارات قبل انتهاء العام الدراسي الثانوي، لتنظيم العملية بكفاءة أكبر.
الجامعات ليست مجرد مقاعد، والتعليم ليس مجرد شهادة. بل هو بناء إنسان، وتشكيل وعي، وتفجير طاقات.
فهل نملك الشجاعة الكافية لنقول: وداعًا لمكتب التنسيق… وأهلًا بمنظومة تقيم الطالب الإنسان، لا درجاته فقط؟