اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
في مشهدٍ يعكس تصاعد القلق الأوروبي من تهديد الطائرات المسيّرة، أعاد مطار ميونيخ الدولي فتح أبوابه أمام حركة الطيران، بعد أن عاش يومًا عصيبًا هو الثاني من نوعه خلال أقل من أربعٍ وعشرين ساعة.
فقد اضطرّت السلطات الألمانية إلى إيقاف جميع الرحلات القادمة والمغادرة صباح السبت، عقب رصد طائراتٍ مسيّرة تحلّق في محيط المطار، مما أثار حالة استنفارٍ أمنيّ واسعة شلّت الحركة الجوية في ثاني أكبر مطار بألمانيا.
وأعلنت شرطة ميونيخ أنّها فتحت تحقيقًا موسّعًا لتحديد مصدر الطائرات وهوية من يقف وراءها، فيما أُعيد فتح المدارج لاحقًا بعد التأكد من خلوّ الأجواء من أي تهديدات، وفقًا لصحيفة ستارز آند سترايبس العسكرية الأمريكية.
هذا الإغلاق المفاجئ، الذي يُعدّ الثاني في أقل من يوم، لم يكن حادثًا معزولًا بقدر ما يعكس تصاعد التحديات الأمنية المرتبطة بالتكنولوجيا المدنية الحديثة. فبحسب مسؤولين في المطار، تم تعليق أكثر من ثلاثين رحلة وتأجيل عشرات الرحلات الأخرى، بينما وجد الآلاف من المسافرين أنفسهم عالقين بين الصالات والبوابات، يراقبون شاشات الرحلات المتبدّلة بقلقٍ ودهشة.
ورغم استئناف الحركة بعد ساعات من التوقف، فإن وقع الحادث ظلّ ثقيلًا، إذ وصفه مراقبون بأنه جرس إنذار جديد حول هشاشة المطارات الكبرى أمام “الزائر الصغير غير المرئي” — الطائرة المسيّرة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتعطّل فيها المطارات الأوروبية بسبب طائرات مسيّرة، لكن تكرار الحادث في ميونيخ خلال فترة قصيرة بهذا الشكل المقلق وضع ألمانيا في دائرة الضوء مجددًا. فمطار ميونيخ، الذي يخدم أكثر من أربعين مليون مسافر سنويًا، يُعدّ بوابة أوروبا الجنوبية، وأي اضطراب فيه يمتد تأثيره إلى مطارات في النمسا وسويسرا وإيطاليا.
خبراء الطيران أشاروا إلى أن مثل هذه الحوادث لا تؤثر فقط على جدول الرحلات، بل على ثقة المسافرين وسلاسة سلاسل الإمداد التي تعتمد على النقل الجوي الدقيق.
لكن الشرطة الفيدرالية الألمانية لم تخفِ قلقها من التطور السريع في استخدام الطائرات المسيّرة، إذ قال متحدث باسمها إن “التقنيات المدنية أصبحت أسرع من قدرة القوانين على ملاحقتها”.
وقد طُرحت تساؤلات داخل البرلمان الألماني حول مدى كفاءة أنظمة الرصد والتشويش المستخدمة حاليًا في مطارات البلاد، خاصة بعد حادثٍ مشابه وقع العام الماضي في فرانكفورت تسبب حينها في إلغاء أكثر من مئة رحلة.
ووسط هذا الجدل، تتجه الحكومة لمراجعة التشريعات الخاصة بالطيران غير المأهول، وربما لتبني حلول دفاعية متقدمة تشبه تلك المستخدمة في المطارات العسكرية.
وحوّل الاضطراب المؤقت مطار ميونيخ إلى مسرحٍ مصغّر للفوضى: أطفال يبكون، مسافرون يحاولون تغيير حجوزاتهم على عجل، وشاشات الرحلات تمطر برسائل التأجيل والإلغاء.
ومع ذلك، بدا التعامل الألماني مع الأزمة منظمًا ومحكومًا بصرامة بيروقراطية معروفة. فرق الأمن انتشرت بسرعة، وتمّ إغلاق المدرجين خلال دقائق، بينما جرى تحويل عدد من الرحلات إلى نورمبرج وشتوتجارت.
لكن ما لفت الانتباه هو الهدوء النسبي الذي تعامل به المسافرون، إذ عكست صورٌ انتشرت عبر منصات التواصل طوابير طويلة من الركاب الجالسين بصبر في المقاهي وصالات الانتظار.
في المقابل، امتلأت الصحف الألمانية بعناوين تتساءل: “هل باتت الطائرات المسيّرة تهديدًا حقيقيًا للأمن الوطني؟”؛ فيما طالبت اتحادات الطيران بتسريع تطوير أنظمة الحماية الإلكترونية وإقامة “مناطق حظر ذكي” حول المطارات.
ومن زاوية أوسع، يضع هذا الحادث أوروبا أمام معضلة جديدة: كيف يمكن التوفيق بين حرية استخدام الطائرات المسيّرة للأغراض التجارية أو الترفيهية، وبين الحاجة الملحّة لضمان الأمن والسلامة؟ فهذه الطائرات الصغيرة التي تُستخدم لتصوير حفلات الزفاف أو توصيل الطرود قد تتحول، دون نيةٍ مسبقة أو بعمدٍ كامل، إلى أدوات تعطيلٍ مؤثرة قادرة على شلّ مدينة بأكملها لبضع ساعات.
وحذر الخبراء الأمنيون في برلين من أن “الحوادث العشوائية” قد تخفي خلفها تجارب متعمّدة لاختبار قدرة الأجهزة الأمنية على الردّ. بينما يرى محللون أن ألمانيا، بخبرتها التقنية وقدراتها الصناعية، مؤهلة لتصبح نموذجًا عالميًا في بناء منظومة دفاع ذكية ضد الطائرات المسيّرة، شرط أن تتحرك بسرعة قبل أن يتحول “التهديد الطائر” إلى واقع دائم في سماء أوروبا.
وكان مشهد الطائرات المتوقفة في مدارج ميونيخ هذا الأسبوع أكثر من مجرد تعطيلٍ لحركة المسافرين؛ فهو بمثابة تذكير صارخ بأن التقدّم التكنولوجي، مهما بدا براقًا، يحمل في طيّاته وجهًا مظلمًا لا يقل خطرًا عن أي تهديد تقليدي. وبين سماء مفتوحة بلا حدود وطائراتٍ مسيّرة بلا ضوابط، تبدو القارة العجوز مدعوةً إلى سباق جديد — ليس للابتكار هذه المرة، بل لحماية الابتكار من نفسه.