اخبار البحرين
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٧ كانون الأول ٢٠٢٥
كمال صالح - الخليج أونلاين
الإمارات تعزز قدراتها الدفاعية بمنظومة 'داميتا' ونظام 'كايوتي' للتصدي للمسيرات.
قطر أول دولة خليجية تحصل على نظام 'FS-LIDS'، الأمريكية الحديثة لصد المسيرات.
السعودية تحرص على تنويع قدراتها لمواجهة خطر المسيرات عبر التصنيع والصفقات.
أصبحت الطائرات المسيّرة، بأحجامها ووظائفها المتعددة، أبرز سمات الحروب الحديثة، بل إنّها دشّنت مرحلة جديدة من الصراع العسكري، يمكن فيها إحداث أثر استراتيجي كبير بكلفة محدودة، وبوسائل يصعب رصدها أو التعامل معها بالأنظمة التقليدية.
وخلال العقد الحالي، كشفت ساحات الصراع في سوريا وغزة وأوكرانيا وليبيا وقره باغ عن الدور الحاسم للطائرات المسيّرة، سواء في الاستطلاع أو الضربات الدقيقة أو هجمات الإغراق، ما جعلها سلاحاً مفضلاً في الحروب غير المتكافئة، وقاد إلى تآكل فعالية منظومات الدفاع الجوي الكلاسيكية.
في الخليج لم يكن هذا التحول نظرياً فقط، فالسعودية تعرّضت سابقاً لهجمات مباشرة بواسطة المسيّرات أحدثت أضراراً كبيرة، فيما واجهت دول أخرى في المجلس تهديدات مماثلة، طالت منشآت حيوية كالموانئ وغيرها.
هذه التجارب دفعت جيوش المنطقة إلى إعادة صياغة عقيدتها الدفاعية، والتركيز على بناء قدرات متخصصة في كشف وتعطيل واعتراض الطائرات غير المأهولة.
الإمارات.. توطين الدفاع
اتجهت الإمارات إلى مسار أكثر طموحاً في التصدي للطيران المسير، يقوم على التطوير المحلي وتوطين التكنولوجيا، إلى جانب الشراكات الدولية.
وفي 3 ديسمبر 2025، كشفت مجموعة 'كالدس القابضة' عن منظومة 'داميتا'، أول نظام إماراتي متكامل لمكافحة الطائرات المسيّرة يعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي، من مرحلة الكشف وحتى الاعتراض.
وتعمل المنظومة عبر دمج الرادارات عالية الدقة، ومستشعرات 'EO/IR'، والمسح اللاسلكي، وخوارزميات قادرة على التمييز بين الطائرات والطيور، إضافة إلى وسائل تحييد متعددة تشمل التشويش، والليزر عالي الطاقة، والاعتراضات الهوائية.
وتصل قدرتها التشغيلية المعلنة إلى اعتراض 20 طائرة مسيّرة في الدقيقة، ما يجعلها من أعلى الأنظمة المعلنة كفاءة وقدرة في المنطقة.
بالتوازي أعلنت الإمارات، في نوفمبر 2025، مشروعاً لتوطين إنتاج نظام 'كايوتي' المضاد للمسيّرات، بالشراكة بين مجلس التوازن وشركة 'ريثيون الإمارات'، ضمن مجمع توازن الصناعي في أبوظبي، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقلالية الصناعية وتقليص سلاسل الإمداد الخارجية.
قطر.. استثمار مبكر
كانت قطر من أوائل دول الخليج التي تنبهت لأهمية امتلاك أنظمة اعتراض للطيران المسيرة، وفي ديسمبر 2022، وافقت الولايات المتحدة على صفقة دفاعية بقيمة مليار دولار لتزويد الدوحة بـ10 أنظمة متكاملة من طراز 'FS-LIDS'، المصممة خصوصاً لهزيمة المسيّرات الصغيرة والبطيئة والمنخفضة الارتفاع في المواقع الثابتة.
ويُعد نظام 'FS-LIDS' شبكة دفاعية معقدة تدمج الرادارات، والكاميرات الكهروبصرية والحرارية، ومعدات الحرب الإلكترونية، وأنظمة القيادة والسيطرة، إلى جانب 200 طائرة اعتراضية من طراز 'Coyote Block 2'.
وتتميّز هذه المنظومة بقدرتها على التعامل مع المسيّرات الفردية أو العاملة ضمن أسراب، من خلال خيارات تحييد مرنة، تشمل التشويش الإلكتروني أو الاعتراض الحركي، ما يجعلها مناسبة لحماية القواعد الجوية والمنشآت الاستراتيجية.
وبهذا الاستحواذ، أصبحت قطر أول عميل دولي لنظام 'FS-LIDS'، في خطوة تعكس توجهاً استباقياً لتعزيز أمنها الجوي، خاصة مع استضافتها قاعدة العديد الجوية، أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
وفي 14 مايو 2025، أعلنت الحكومة الأمريكية، عبر بيان رسمي، اتفاقية دفاعية مع قطر بقيمة مليار دولار، لتصبح بذلك قطر أول دولة خليجية تحصل على نظام 'رايثيون' المتكامل لمكافحة الطائرات المسيّرة 'FS-LIDS'.
كما تعمل شركة 'برزان القابضة' القطرية على تطوير الذخائر وأنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة والأسلحة المحمولة، إلى جانب التعاون مع الجانب التركي لتعزيز قدرات الدولة في مواجهة خطر المسيرات.
السعودية.. طبقات دفاعية
السعودية هي الدولة الخليجية والعربية الأولى في الإنفاق الدفاعي، كما أنها تعرضت لهجمات خطيرة بالمسيرات خلال حرب اليمن، أبرزها استهدفت منشأتي بقيق وهجرة خريص عام 2019.
هذا التهديد خلق دافعاً لدى الرياض لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة حروب المسيرات، ولهذا عملت الرياض على تعزيز قدراتها في هذا القطاع الحيوي، عبر صفقات وشراكات متعددة المصادر، وعبر الإنتاج الذاتي.
وفي 11 سبتمبر 2023، وقّعت الرياض اتفاقية مع شركة 'أسر تكنولوجيا' التركية لشراء منظومة درع الأمن الجوي 'غوست' المضادة للطائرات بدون طيار، لتصبح أول دولة خليجية تحصل على هذا النظام.
وتتميّز منظومة 'غوست' بقدرتها على الكشف المبكر للمسيّرات من مسافات بعيدة، وتشويش الترددات الرقمية، وتحييد الطائرات غير المرئية للرادارات التقليدية، وقد صُممت لحماية المطارات والمنشآت الحيوية والحدود البرية والبحرية.
وتأتي هذه الصفقة في سياق توجه سعودي أوسع للاستثمار في التقنيات المتقدمة، وبناء منظومات دفاعية مرنة قادرة على التعامل مع التهديدات منخفضة الكلفة وعالية التأثير.
وفي سبتمبر الماضي، قادت السعودية والولايات المتحدة أكبر تمرين لمواجهة الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط، حيث ركز التمرين على تحسين القدرة على كشف وتتبع والقضاء على التهديدات الحديثة للطائرات المسيّرة.
التمرين الذي استمر عدة أيام، شارك فيه أكثر من 300 عنصر من الجانبين السعودي والأمريكي، قاموا بتشغيل 20 نظاماً لصد الطائرات غير المأهولة في 'ميدان شمال-2' شمال شرقي السعودية.
جاهزية متفاوتة
وبالنسبة للبحرين والكويت، فالدولتان تستفيدان من الشراكات الإقليمية والدولية لتعزيز قدرتها على التصدي للهجمات التي قد تحدث بالطائرات المسيرة، خصوصاً أنهما تحتضنان قواعد عسكرية أمريكية، وتنخرطان في تمارين وتدريبات مكثفة لتعزيز قدراتها على الرصد والتصدي والاعتراض.
أما عُمان، ووفقاً لتقرير نشرته قناة 'الحرة' الأمريكية، في نوفمبر الماضي، فإنها تركز على بناء منظومة مراقبة واستخبارات جوية ورادارات متطورة، يمكن أن تدمج معها أنظمة مكافحة الطائرات المسيرة لاحقاً.
بصورة عامة يمكن القول إن جيوش دول الخليج قطعت شوطاً مهماً في بناء قدرات متخصصة لمواجهة تهديد الطائرات المسيّرة، مع تفاوت في مستويات الجاهزية والنهج المتبع بين دولة وأخرى.
ففي حين ركزت قطر على اقتناء أنظمة أمريكية متكاملة وجاهزة، اختارت الإمارات الجمع بين الشراء والتطوير المحلي المعتمد على الذكاء الاصطناعي، بينما اتجهت السعودية إلى تنويع الشراكات وبناء طبقات دفاعية متعددة تعتمد على الرصد والتشويش والتحييد الإلكتروني.
وفي ظل هذا الواقع تبدو منظومات مكافحة الطائرات المسيّرة، اليوم، أحد الأعمدة الأساسية في معادلة الأمن والدفاع الخليجي، وركناً لا غنى عنه في حماية السيادة والبنية التحتية الحيوية.
تحدٍّ كبير
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي علي الذهب أن دول الخليج لا تزال تواجه مشكلة فيما يتعلق بالجاهزية للتصدي للمسيرات الانقضاضية، مؤكداً أن هذه الفجوة لا تزال تعاني منها حتى كبريات الدول، مستدلاً على ذلك بحرب أوكرانيا.
وأشار الذهب، في تصريح لـ'الخليج أونلاين'، إلى مساعي الخليج لسد هذه الفجوة من خلال امتلاك وسائل الدفاع ضد المسيرات، إما عبر التصنيع الذاتي، أو عبر الصفقات، كما هو حال السعودية والإمارات التي بدأت بالتوسع في هذا المجال.
ويوضح أن ضربة بقيق وخريص في 2019، كانت بمنزلة جرس إنذار للأمن القومي لدول الخليج؛ لكونها ترتبط بالطاقة، لافتاً إلى أن الخطر يهدد منابع النفط ومعامل التكرير والتصنيع والقواعد العسكرية والجوية والمطارات والموانئ والمنشآت الحيوية.
وقال الذهب: إن 'المسيرات غير المأهولة تشكل التحدي العسكري الأبرز القائم على مستوى الحروب التقليدية، والحروب اللامتماثلة؛ لكونها أصبحت بيد الجماعات المسلحة أو جماعات ما دون الدولة'.
ويلفت إلى أن الطائرات المسيرة صارت حالياً في صدارة الاهتمام، وأنها 'بدأت تحل محل الصواريخ، لكن بتقنية أعلى، وقدرة على الرصد والضرب في آنٍ معاً'.
واستطرد قائلاً: 'المسيرات أصبحت مثيرة للقلق؛ لأنه لا يمكن التصدي لها في أغلب الأحيان، وتأثيرها تدميري محقق، خاصة إذا كانت الدول التي تملكها قادرة على تعزيزها بقدرات تفجير أكبر كما هو حال إسرائيل وإيران وتركيا وغيرها'.
الطائرات المسيرة حتى وإن كانت قدرتها التدميرية أقل، فإنها باتت تشكل شاغلاً أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وفق الذهب، وهذا ما حدث خلال هجمات الحوثيين على 'إسرائيل' خلال الحرب الأخيرة.
يعتقد الذهب أن دول الخليج قادرة على الحصول على منظومات دفاعية للتصدي للمسيرات، لكن هذه المنظومات لا تزال تواجه تحديثات مختلفة، حتى بالنسبة للدول الكبرى.

























