اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
يعرض الباحث رومان غولا في قاعة بلدية بمدينة كونسكي البولندية الصغيرة لقطات لذئابٍ صُوّرت بكاميرات خفية، ويسعى من خلالها إلى طمأنة السكان بأن هذه الحيوانات لا تُشكّل خطرا عليهم.
ويتابع عالم الأحياء هذا منذ سنوات قطيعا من الذئاب يعيش في منطقة غابات قرب كونسكي الواقعة بين وارسو وكراكوف.
ويلاحظ بفخر في تصريح لوكالة فرانس برس أن 'الذئاب استوطنت مجددا الغابات البولندية'.
وانقرضت هذه الحيوانات اللاحمة الرمادية تقريبا من بولندا في خمسينات القرن العشرين بسبب الصيد والحرب، لكنّ نحو 3600 منها باتت موجودة فيها اليوم، وهو العدد الأكبر في أوروبا، حيث حقق هذا النوع عودة ملحوظة.
إلاّ أن رومان غولا ومثله العلماء في مختلف أنحاء القارة يخشون أن يكون هذا المنحى شارفَ نهايته.
فالنواب الأوروبيون خفّضوا أخيرا تصنيف الذئاب من 'محمية بشكل صارم' إلى 'محمية'، ما مهد الطريق لمعاودة صيدها وفق قواعد محددة.
وكانت المفوضية الأوروبية طلبت هذا التغيير معللةً إياه بأن انتشار الذئاب يهدد البشر والماشية.
ويرى رومان غولا أن هذا القرار لا يستند إلى أي أساس علمي، ويُشكّل ذروة حملة أوروبية واسعة النطاق ضد الذئاب.
ويذكّر في حديث لوكالة فرانس برس بأن 'الذئاب تعرّضت للشيطنة منذ زمن كتاب العهد القديم'، أما الآن، فهذا التوجه نابع من 'قرار سياسي'، وهو في نظره 'يندرج ضمن حملة يمينية للتحكم بالطبيعة'.
ويشرح غولا أن الذئاب 'تخشى' البشر، وتتجنبهم بكل ما أوتيَت، مشيرا إلى أن ثمة طرقا عدة لحماية الماشية.
وليس الغضب من هذا الواقع وقفا على غولا.
وترى منظمات بيئية في بيان صدر أخيرا إلى أن 'أوروبا تُدير ظهرها للذئاب والعلم'، متهمة أعضاء البرلمان الأوروبي بشن 'حروب ضد أنواعنا الهشّة وأنظمتنا البيئية'.
- توعية -
ويشير الخبراء إلى أن الذئاب التي ينطوي تتبعها على صعوبة كبيرة، أصبحت الآن ظاهرة أكثر للعيان بفضل مقاطع فيديو تُنشَر عبر الهواتف الذكية، وبسبب التغيّر المناخي الذي يُدفعها إلى مغادرة الغابات المصابة بالجفاف للبحث عن غذائها في الحقول.
وحاولت بولندا طمأنة دعاة حماية البيئة بوعدها بعدم تغيير القواعد المعمول بها راهنا التي تندر فيها تصاريح صيد الذئاب.
لكنّ رومان غولا يلمس 'ضعفا في تطبيق' قوانين الحماية.
ويروي ثلاثة مهتمين برصد الذئاب في مناطق مختلفة من بولندا لوكالة فرانس برس أن ذئابا مزودة بأطواق تعمل بنظام تحديد المواقع العالمي قُتلت برصاص صيادين، من دون أن تُتخذ أية تدابير عقابية لهؤلاء.
ويعمل غولا مع الباحثة يوانّا توتشيدلوفسكا على توعية العامة بشأن الذئاب في المناطق التي انتشرت فيها هذه الحيوانات.
وتتسم هذه المهمة بالصعوبة نظرا إلى أن للصيادين تأثيرا في البلدات الصغيرة.
ففي كونسكي مثلا، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 33 ألفا، يثير الأمر جدلا حادا.
ويتهم بعض الحاضرين غولا بأنه مجرد أداة مموّلة من جهات أجنبية، ويشددون على ضرورة صيد الذئاب.
في المقابل، يعرب آخرون عن فخرهم بعودة هذه الحيوانات إلى موطنها الأصلي.
وحضرت المدربة الرياضية مونيكا تشوليفينسكا للمشاركة في الاجتماع لأن 'الناس يتحدثون أكثر فأكثر عن الذئاب'، وأرادت أن تعرف كيف تتصرف إذا رأت أحدها.
وتقول المعلمة ماوغوجاتا شفيتاغورسكا 'نحن نعيش بالقرب من الغابات، وثمة شيء من القلق بالتأكيد'.
- التغيّر المناخي -
ويوضح غولا وهو يشق طريقه بين الأعشاب الطويلة الجافة في غابة تبعد 40 دقيقة عن كونسكي أن الاحترار المناخي يساهم أيضا في تغيير الطريقة التي تصطاد بها الذئاب.
ويضيف 'أعرف هذه المنطقة. كانت في السابق عبارة عن مستنقعات، لكنها الآن جافة كليا'.
وترى سابينا بيروزك-نوفاك التي أمضت عقودا في درس الذئاب في بولندا أن التغييرات التي لحقت بعاداتها في صيد طرائدها يمكن أن مفيدة. وتقول: 'الذئاب تُحقق منافع ملموسة للاقتصاد البشري'.
فاتساع نطاق الزراعة يجعل الحيوانات البرية كالغزلان والخنازير البرية تنتقل إلى الحقول بحثا عن الغذاء، مما يُسبب أضرارا جسيمة.
لكنّ 'الذئاب تقتلها في الحقول. وهذه أخبار سارة للمزارعين'، على قولها.
وتلاحظ بيروزيك-نوفاك إن للسياسيين الذين يشنون حملات ضد الذئاب تأثيرا مدمرا على سمعة هذا الحيوان في أوروبا.
وتخصص بيروزيك-نوفاك وقتا طويلا في دحض الادعاءات الكاذبة في شأن الذئاب، وتنشر شروحها على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحافة المحلية.
وتأمل في أن ترى بولندا تواصل حماية ذئابها، ما يُعدُّ نجاحا قل مثيله في أوروبا في مجال الحفاظ على البيئة.
ولدى عودته إلى الغابة، يرفع رومان غولا هوائيا ثقيلا، ويدور حوله مرات عدة، وينتظر. ولا يلبث راداره أن يُصدر صوت صَفير، منبّها إلى وجود ذئب قريب كان قد وسمه.
وترتسم على وجهه ابتسامة من ظَفَر بانتصار، ويقول 'إنه فعلا هنا!'.