اخبار اليمن
موقع كل يوم -كريتر سكاي
نشر بتاريخ: ١٤ أيار ٢٠٢٥
كريتر سكاي/خاص:
السيدات والسادة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله، والسلام والحرية لفلسطين وشعبها المقاوم.
في الخامس عشر من مايو من كل عام، نستذكر النكبة التي لا تزال حية في ذاكرتنا جيلاً بعد جيل،
وجرحًا نازفًا وعميقًا في قلب الأمتين العربية والإسلامية. النكبة الفلسطينية التي بدأت عام 1948 بقيام الكيان الصهيوني وقرار أممي، ما تزال فصولها مستمرة، وهي ليست مجرد ذكرى، بل دعوة للصمود والمقاومة بشتى الوسائل المتاحة، والتمسك بحق العودة وتتويج النضال والمعاناة الفلسطينية بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: 'وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ'.
في عام 1948، وبدعم من بريطانيا، دولة الانتداب، نفذت الحركة الصهيونية تطهيرًا عرقيًا منهجيًا، أدى إلى تهجير 957 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون كانوا يعيشون في 1300 قرية ومدينة بفلسطين التاريخية. هؤلاء شكلوا نصف الشعب الفلسطيني آنذاك، وتشتتوا في مخيمات اللجوء بالأردن ولبنان وسوريا، والضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها من بقاع العالم. ودُمرت أكثر من 500 قرية، وتحولت مدن مثل يافا وحيفا إلى مدن محتلة بعد أن ارتكبت العصابات الصهيونية عشرات المجازر، مثل مجزرة دير ياسين قبيل إعلان دولة الاحتلال ومجزرة الطنطورة، راح ضحيتها آلاف الشهداء، ونُهبت ممتلكات الفلسطينيين.
اليوم، يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين حوالي 7 ملايين، يعيش معظمهم في مخيمات الشتات، بينما وصل إجمالي عدد الفلسطينيين إلى 14.3 مليون نسمة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل قصص ألم وصمود، كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدته 'سجّل أنا عربي':
سجّل! أنا عربي، ورقم بطاقتي خمسون ألف،
وأولادي ثمانية، وتاسعهم سيأتي بعد صيف،
فماذا تفعل الآن؟
بدأت جذور النكبة مع أول استيطان عام ١٨٨٢ في ظل الحكم العثماني، وتعزز بعد وعد بلفور عام 1917م، والانتداب البريطاني في فلسطين عام ١٩٢٢، الذي مكّن وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين من الحركة على قدمين، متجاهلاً الحقوق التاريخية والسياسية لأهلها الأصليين. إن الوعد والانتداب
كانا امتدادًا لما قرره المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في بازل بسويسرا عام ١٨٩٧ برئاسة اليهودي النمساوي تيودور هرتزل.
ثم جاءت الطامة الكبرى بقرار تقسيم فلسطين عام 1947، الذي منح 56% من فلسطين للحركة الصهيونية التي أصبحت كيانات إرهابية مسلحة، تسامح مع إرهابها الدموي وسرقتها للأرض دولة الانتداب، رغم أن الفلسطينيين كانوا يملكون معظم الأراضي وتعايشوا فيها مع الأقلية اليهودية التي لم تكن تزيد عن ٧% من سكان فلسطين عند صدور وعد بلفور الاستعماري.
نظّمت الحركة الصهيونية تحت مظلة الانتداب البريطاني هجرات يهودية، وقامت باعتداءات إرهابية، مثل عملية دالِت، لتفريغ الأرض من سكانها أثناء النكبة.
إن النكبة لم تكن مجرد تهجير قسري، بل محاولة لمحو هوية شعب، تلاها تدمير القرى، ونهب الممتلكات، وتحويل الأسماء العربية في فلسطين إلى أسماء عبرية. في مذبحة دير ياسين، بإشراف الإرهابي مناحيم بيجن، في ٩ أبريل ١٩٤٨، ذُبح مئات المدنيين، وفي الطنطورة، دُفن الضحايا في مقابر جماعية. هذه الفظائع كانت جزءًا من استراتيجية زرع الرعب ودفع السكان للهروب. يصور الشاعر العراقي مظفر النواب هذه المأساة في قصيدته 'القدس عروس عروبتكم':
يا شام، يا شام، يا ابنة المجد التليد،
كيف يُغتصب الحلم ونحن شهود؟
لم تنتهِ النكبة في عام 1948. فمنذ ذلك الحين، ارتقى أكثر من 100 ألف شهيد، واعتُقل أكثر من مليون فلسطيني.
في غزة الصامدة اليوم، تتكرر النكبة مع كل عدوان، حيث ارتكب الاحتلال منذ أكتوبر 2023 حرب إبادة وتجويع، راح ضحيتها أكثر من مائة وسبعين ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وفي الضفة يواصل الاحتلال الاستيطاني هدم المنازل، وقتل وجرح الآلاف، كامتداد لما يرتكبه من جرائم في غزة التي تعد اليوم خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وبرغم كل النكبات، فإن الفلسطينيين يتمسكون بحقهم المقدس في العودة والمقاومة. يقول الشاعر الفلسطيني سميح القاسم في قصيدته 'منتصب القامة أمشي':
منتصب القامة أمشي، رافع الرأس أمشي،
في كفي قصفة زيتون، وعلى كتفي نعشي،
وأنا أمشي، وأنا أمشي.
النكبة ليست قضية فلسطينية بحتة، بل قضية الأمة بأسرها.
إنها قصة شعب سُلبت أرضه، لكنه ظل متمسكًا بحقوقه ويقاوم الغاصب لأكثر من قرن.
إن حق العودة شعلة مضيئة في قلوب الفلسطينيين، تتجسد في أدبهم وشعرهم. يقول غسان كنفاني في روايته 'عائد إلى حيفا': 'إن الوطن ليس مكانًا، بل هو الإنسان نفسه.' وفي شعر إبراهيم طوقان، لحق العودة صرخة:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة،
وإن هُجّرت منها فإني لها عائد.
السيدات والسادة
النكبة ليست ذكرى تمر، بل واقع نعيشه ونقاومه.
نقول للعالم: فلسطين حقيقة، والقدس حقيقة، وحق العودة حقيقة. يقول الله تعالى: 'إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا'. فلنحيِ النكبة بالعمل والنضال، ولنرفع صوتنا حتى يعود آخر مهجّر إلى وطنه. كما قال محمود درويش:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة،
على هذه الأرض سيدة الأرض،
أم البدايات، أم النهايات.
عاشت فلسطين حرة، وعاش نضال شعبنا العربي الفلسطيني.
وفي الختام، نؤكد تضامننا مع الشعب الفلسطيني حتى النصر وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ونناشد القمة العربية التي ستعقد في بغداد بعد يومين بتاريخ ١٧ مايو أن لا تخيب أمل العرب في تبني موقف لمواجهة العدوان الصهيوني، بمشروع قومي لإفشال كل المشاريع الصهيونية التوسعية التي تخرس كل من تسول له نفسه في الكيان الغاصب الذي يهدف الى إقامة كيان دخيل من النيل إلى الفرات.