لا أريد أن أسمع شيئاً

المثنى الشيخ عطية*

عن غزّة…

لا أريد أن أسمع شيئاً عن غزّةَ

منْكَ اَيّها العالَمُ الجميلُ الخجولُ الراشحُ جبينُكَ

بندى أزهار الحضارات/

اِقطعْ ألسنة الإذاعات بخطوَتك السبّاقة في المباريات

أطفئ أعين الكاميرات بأعقاب سجائرك الإلكترونية

قيّد صرخة تلك السيدة العزلاء التي تقلق طُمأنينة المؤتمرات

لحياة غزّة

منكَ اَيها العالَم القادر الجبّار القهّار المدجَّجُ بالأسماء

امحِها إن لم تسوِّها

اسْحقها أو امْحقْها

حتى الفناء الذي يخالف قواعد الفيزياء في ما لا يفنى…

امْسَحْها من الأبجديات

من الشاشات

من ألواح جميع اللغات

بكلّ أحرفها:

الغين الفاغرةُ الفمِ بصرخة إدفارد مونش

الزاي المعشبةُ المتسائلةُ المشدودة حزاماً على بطون المهجَّرين

في دروب جورجي أمادو

والتاء المربوطة اللسان بسلاسل حصار طروادة…

امسحها امسحها

من ذاكرتي المتفائلةِ بقدوم غودو

من تجلّيات العذراء للحالمين بطفلٍ منفوخ بروح أنفاسِكَ

ومن جميع قنواتِ التواصل المتفاعلة بعبثٍ بعد ذلكَ/

تباً للتفاؤل بالعُسْرِ وللتواصل باليسرِ

تباً لنفخ الروح في قربتكَ المثقوبة بالرصاص

امسحها من لافتاتِ المظاهرات التي ترفَعُ شعار «فْري فلستاين»

من حناجرِ المحتجّين التي تُقلق المجالس وقمم المبخِّرينَ

من أصابع المبعدينَ عن أوطانهم ووظائفهم لرفعها علامة النصر…

وامسحها امسحها امسحها

صورَ الأطفالِ المقطّعين بالصواريخ

الأضلاعِ البارزةِ بعضيض أنياب الجوع

الأثداءِ الضامرةِ بجفاف المرّيخ من الحليب

والعيونِ الخارجةِ من محاجرها

بحثاً عن عشبةٍ صالحةٍ للحلم…

امسحها امسحها امسحها امسحها

أيها العالَم الذي لا ينقص ريشته الإبداع

امسحها وضعها مكان طروادةَ التي انتهتْ صلاحيَّتُها بالتكرار

دون أن تأبهَ لاحتجاج هوميروس

امسحها من أشداق الكلاب وارفع عن أعناق كُتَّاب الضمير

سيفَ قتلة الضمير

امسحها ودع فلاسفة اللاجدوى يرمون عن ظهورهم عبء صخرةَ سيزيف

امسحها ودع الصحافيين المفجَّرين يلمّونَ أشلاءَهم ثمرةً ثمرة

من على أغصان الأشجار

امسحها ودعني أكمل هذه القصيدة التي لا تريد أن تنتهي

إلا بمجزرة…

امسحها امسحها امسحها امسحها امسحها

أيها العالم الخارج من محارق أوشفيتز بمتلازمة ستوكهولم

احرق غزة في نيرانك النووية التي طوّرتَ في مفاعِلاتك السّلمية

احرقْها ودع الرئيس الطريف دونالد ترامب

يستمتع بجنّة ريفيرا المراهقات والغلمان مع أوبستين

احرقها ودع حمامة سلامِك نتنياهو

يرفرف فوق دماء أطفال سفر دانيال

احرقها ودع ضمير شعب الله المختار يشوي

حناجر وألسنة وأعين وأكباد الأغيار على نار الأخيار

احرقها أيها العالَم النقيّ بضميره

المطمئنُّ إلى مصيره

الباردُ المؤمنُ المهيمنُ المنتقمُ الجبّارُ الأوحدُ

الجامعُ تسعاً وتسعين اسماً للمجزرة بنارِ سعيره

امسحْها امسحْها امسحْها امسحْها امسحْها امسحْها

ستّ مرّاتٍ واستقرّ على عرشك الآمنِ/ فهذا حسنٌ

لا أريد أن أسمع شيئاً عن غزّة

منكَ لا أريد أن أسمع شيئاً

عن غزّة 7 أغسطس 2025

*شاعر وروائي سوري