"عناتا".. بلدة مقدسية حولتها المستوطنات إلى سحن يطبق على البشر والحجر

القدس المحتلة – سبأ:

في قلب الجغرافيا المقدسية، تقف عناتا كأنها تصارع أنفاسها الأخيرة؛ بلدة محاطة بالأسوار من كل جانب، ومشدودة بين جدارٍ يبتلع الأرض ومستوطَناتٍ تزحف كالأخطبوط فوق ما تبقّى من ترابها.

كانت عناتا يومًا مفتوحةً على القدس والضفة، ممرًّا للحياة وللزرع، أما اليوم فقد تحولت إلى سجنٍ واسعٍ بلا أبواب، تُخنق فيه المساحة، وتُصادر فيه الأرض، ويعيش أهلها على حافة المنفى داخل بيوتهم.

في شمال شرق القدس، تقف البلدة شاهدةً على أطول فصول العزل الصهيوني، بعدما حوّلها جدار الفصل العنصري والمستوطنات الخمس المحيطة بها إلى سجنٍ كبير يُطبق على البشر والحجر، ويجعل الحياة فيها معركة يومية من أجل البقاء.

من أصل 32 ألف دونم كانت تشكل مساحة البلدة، لم يتبقَّ اليوم سوى ألفي دونم فقط، بعد أن صادر العدو الإسرائيلي أكثر من 90% من أراضيها لصالح مستوطناته وشوارعه العسكرية. وبينما يزداد عدد السكان، يضيق المكان أكثر فأكثر، حتى باتت عناتا نموذجًا صارخًا لسياسة 'الخنق البطيء' التي تمارسها سلطات العدو بحق البلدات الفلسطينية في القدس.

يقول رئيس البلدية طه النعمان لـ وكالة 'صفا' الفلسطينية: 'عناتا اليوم منطقة منكوبة بكل ما للكلمة من معنى، حاصرتها المستوطنات من الجهات الأربع، وصادر العدو ما تبقى من أراضيها لإقامة طرق استيطانية تخدم المستوطنين فقط.'

أحدث حلقات المصادرة كانت يوم الجمعة الماضي، حين أصدرت سلطات العدو الإسرائيلي أمرًا عسكريًا بالاستيلاء على 5856 دونمًا جديدة، منها أكثر من 600 دونم تعود ملكيتها لمواطنين من البلدة. القرار جاء بذريعة “الضرورات الأمنية”، لكنه في الحقيقة امتداد لمخطط استيطاني يربط مستوطنة 'نفي برات' بشارع رقم 437 المؤدي إلى أريحا والأغوار.

ويشير النعمان إلى أن البلدة 'مسجلة منذ عام 1956 كطابو منتهي التسوية'، لكنها منذ بناء الجدار عام 2003 أصبحت محاصرة كليًا، لا منفذ لها إلا بوابة عسكرية تخضع لمزاج الجنود.

تتعرض عناتا لهدمٍ شبه شهري، وتُغلق ورشها الصناعية بحجج واهية، بينما يُمنع سكانها من البناء أو التوسع، لتزداد البطالة والفقر، ويعيش أهلها على هامش القدس التي يرونها ولا يصلون إليها.

عناتا ليست مجرد بلدة مقدسية معزولة؛ إنها مرآة لما يعيشه الوجود الفلسطيني في القدس — خنقٌ جغرافي، واستيطان متسارع، وبقاء يتحدى الانقراض.

وعلى الرغم من أن الجدار طوّقها من الجهات الأربع، إلا أن أهلها ما زالوا يقفون عند كل حجرٍ فيها ليقولوا: هنا كانت أرضنا… وهنا سنبقى.

.........................//

إكــس