اخبار اليمن
موقع كل يوم -الخبر اليمني
نشر بتاريخ: ١٠ تموز ٢٠٢٥
أبو بيروت:
مع احتدام الصراع الإقليمي والدولي، وتوسع الحروب الهجينة، وملامح أفول النظام العالمي القائم الآن، نحاول استقراء توظيف الدين في مشاريع الهيمنة والاستعمار، وكذلك الاعتماد على أسسه في مقاومة الاحتلال وقضايا الحرية والتحرير في الشرق العربي، مهبط الأديان السماوية، ومنبع الخيرات الطاقية، ومنطقة الصراعات الدولية.
بنظرة موسعة على جغرافيا الشرق الأوسط، نلاحظ وجود قوى إقليمية تاريخية وريثة إمبراطوريات عريقة سالفة، وقاعدة استعمارية مستحدثة، وكيانات متشظية من حضارة غابرة، كلها تمثل مشاريع تمدد وهيمنة واستعمار وانعزالية.
فالمشروع التركي يعمل من أجل استعادة الإمبراطورية العثمانية تحت شعار الخلافة الإسلامية، يساعده في ذلك أدوات حزبية (التنظيم العالمي للإخوان المسلمين) وطرق صوفية (النقشبندية وغيرها)، وتنظيمات إرهابية (داعش وأخواتها) تتخذ من المذهب السني غطاءً دينياً. يصارع المد القومي العربي والكردي، ويعمق الصراع المذهبي لاسترجاع الجغرافيا البائدة، دون التصادم مع الكيان الصهيوني (فتركيا أول من اعترف بإسرائيل) الذي تقيم معه علاقات استراتيجية. وهو بدوره يمثل المشروع الثاني الإمبريالي والصهيو-أمريكي المهدد لكل المنطقة، والذي يتخذ من يهودية الدولة منهجاً مبنياً على خرافات توراتية تبرر استعماره الإحلالي الاستيطاني، ويطرح التقارب الديني باسم 'السلام الإبراهيمي' بين الكيان والرجعية العربية المطبعة معه.
وفي مقابل هذين المشروعين المستخدمين للدين لأغراض سياسية وعسكرية واقتصادية، وفي غياب مشروع عربي، نجد المشروع الإيراني الذي انطلق منذ بدايته وقبل نجاح الثورة على أسس المذهب الإسلامي الشيعي المنتصر للمستضعفين، والذي يستند لفلسفة 'رد الصدى للفتوحات الإسلامية' وتصدير الثورة خارج حدود البلاد، وبالتالي بناء إمبراطورية خمينية على أنقاض الإمبراطورية الأخمينية التي يستذكرها ويفتخر بها الإيرانيون. وقد طور هذا المشروع فكره الجهادي والسياسي، ويعمل على اجتثاث الاحتلال الأنغلو-ساكسوني لفلسطين؛ ليقينه بأن إسرائيل هي حجر عثرة أمام وغدة سرطانية في المنطقة. فدعم الحركات المقاومة بكل الوسائل ودون استثناء، بقطع النظر عن معتقد، ومذهب، والمرجعية الفكرية لهذه الحركات، وهو ما أضفى شرعية إنسانية ودينية وسياسية لمجابهة المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة، وإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد طوفان الأقصى الذي لعبت فيه المرجعية الدينية الجهادية الدور الأكبر، وكذلك جبهات المساندة.
انضم القوميون العرب، بحكم مرجعيتهم الفكرية التي تعتبر أن الأمة العربية تكونت بفضل الإسلام وفي حماه، إلى المشروع المقاوم الذي اتخذ الدين الحنيف منطلقا عقائديا لتحقيق التحرير والحرية، وكرس مفهوم الجهاد القرآني السمح، ووقف ضد الرجعية والإقليمية والقطرية. وممن كرسوا محاربة الجماعات التكفيرية لفرض الدكتاتورية ومهادنة العدو أو مصالحته، وحتى مساندته في حرب الإبادة التي يمارسها ضد أبناء الأمة.
ولعل التجربة اليمنية هي أفضل دليل على الاعتماد على أسس الدين واستنباط أحكامه ودلالاته الجهادية في خدمة مشروع التحرر والحرية، والرقي بوعي الشعوب وتحفيزها على مقارعة العدو بكل الوسائل العسكرية، والأمنية، والاقتصادية، والثقافية. ونأمل، ونحن على يقين من ذلك، أن يكون اليمن الرافعة الفكرية والسياسية لمشروع عربي يلغي بقية المشاريع الرامية للهيمنة على الشرق العربي، ويخوض حرب وجود مع المشروع الصهيو-أمريكي، وسلام أو حرب حدود إن لزم الأمر مع أي مشروع يسعى للهيمنة على العرب، وحرب سلطة ضد الرجعية، ويقود بفضل إرثه الحضاري وأصالته توحيد الأمة العربية المسلمة.
كاتب من تونس