عدن الغد تسبر أغوار مصر التي لا تنام (3).. حديث القهاوي اليمنية في قاهرة مصر

تقرير / د. الخضر عبدالله :

يقولون 'في الأسفار سبع فوائد' و من الأمور التي يحلم بها الشخص زيارته أم الدنيا ,كان امراً رائعا كوني أني سأزورهذه البلاد لأول مرة , وبالتحديد مصر وبالأخص قاهرة المعز بن عبدالسلام .

فإلى مهد الحضارات التي تعلمناها, إلى أم العروبة والعرب التي تغنى لها الشعراء وافتتن بها العاشقون وسرد لها الكتّاب ..

وفي هذه الحلقة تعالوا نعيش أجواء القاهرة ونتأمل سككها .. زقاقها .. بل وحتى شوارعها التي تفوح بعطر التاريخ العريق والمجد التليد .. فلا تلوموني على قلة العتاد'' ..

قهوة الشجرة لشاي والخمير العدني

قهوة الشجرة وسط حي الفيصل بالجيزة بداية شارع العشرين المتصل بقهوة التاتينك وأمامها قهوة خواجة وفي هذه القهوة “ وجد فيها اليمنيون مبتغاهم للجلوس لساعات، وضرب المواعيد للقاء في هذه القهوة الشعبية التي تبيع مشروبات يمنية على رأسها ”الشاي والخمير العدني“. يجلس فيها أبناء الجالية اليمنية ويفضلها الكثير من المرتادين لمصر والمستقرين هناك؛ لتشابه تفاصيلها مع تفاصيل المقاهي الشعبية في اليمن.

يقول أحد اليمنيين الذين كان جالسا بجوارنا :' إن اليمنيين في مصر ترتفع أعدادهم يوما بعد يوم وبشكل لافت..ويوضح أنه يعيش في القاهرة منذ بداية اندلاع الحرب في اليمن ..وبين أن الكثير من اليمنيين انخرطوا في الحياة المصرية العامة، وباتوا يعملون من أجل مواجهة ظروف الحياة اليومية في هذه البلد '

واثناء تبادل أطراف الحديث قفز احد المتواجدين ليشاركنا هو الأخر حيث :' أن الحياة هنا في مصر عكس بلادنا ، تحتاج إلى تحمل وبذل مزيد من الجهد للوصول إلى حياة مستقرة ودخل مادي مناسب.

وأضاف في حديثه :' أن المناطق التي يسكن فيها اليمنيون هي الفيصل والدقي والمنيل في القاهرة وأرض اللواء وهم من ذوي الدخل المحدود، وجاؤوا إلى مصر بغرض العلاج أو فروا من ويلات الحرب، في حين يقيم بأحياء الرحاب ومدينتي والمهندسين الذين مستواهم الاقتصادي جيد، أو من المسؤولين اليمنيين في الحكومة اليمنية .

وأوضح أن وتيرة شراء العقارات والدخول في استثمارات ومشاريع متعددة ارتفعت، خاصة أن القانون المصري يتيح ذلك بل ويشجعه.

ولفت إلى أن شركات ومؤسسات ومطاعم ومحال متنوعة يمتلكها يمنيون، ازداد عددها بشكل كبير وهائل عما كانت عليه قبل الحرب.

وبيًن ' أن جزءا من رجال الأعمال اليمنيين سحبوا استثماراتهم إلى مصر، مستفيدين من الحضور اليمني هناك في جوانب العمالة والخدمات التي قدمتها السلطات المصرية للمستثمرين، ومنهم اليمنيون.

المدارس اليمنية

وتطرقنا في النقاش إلى موضوع عما إذا كانت هنا في القاهرة مدارس يمنية تدخل بعض الحاضرين في قهوة الشجرة وقال :' يوجد في القاهرة نفسها أربع مدارس يمنية فيها أكثر من أربعة آلاف طالب وطالبة، بالإضافة إلى أن المدارس المصرية فيها نحو سبعة آلاف من الطلاب اليمنيين.

وقال :' مصر تعامل اليمني في مراحل التعليم الأساسي معاملة المصريين، لكن في التعليم الجامعي الأمر مختلف والرسوم مرتفعة قليلا بالنسبة لأوضاع اليمن'

استيطان اليمنيين في مصر

وحول استثمار اليمنيين في مصر أستأذن أحد الجالسين كان مقعده ملتصقا مقاعدنا بالسماح له بالتحدث معنا, رحبنا به والأذن بالمشاركة فقال :' أن الحضور التجاري في مصر يسير في اتجاهين: الأول استثمارات كبيرة لرجال أعمال ينتمون إلى بيوت تجارية يمنية كبيرة، والاتجاه الآخر هي الاستثمارات المتوسطة التي لم يحقق اليمنيون فيها الكثير، وباتت تتقلص في الاستثمار في مجال المطاعم ومحال العطارة'

وفتحت مصر أبوابها لاستثمارات اليمنيين، في القاهرة، فإن إقبال اليمنيين على شراء الشقق في العاصمة المصرية خلال السنوات الماضية تجاوز 100 ألف شقة، لا يقلّ ثمن الواحدة منها عن 30 ألف دولار، إضافة إلى شراء الآلاف من الفلل الفارهة في عدد من المدن المصرية من قِبَل مسؤولين يمنيين، شماليين وجنوبيين'.

وأكد لنا من كان في القهوة ' أن تجاراً يمنيين أسّسوا شركة تجارية وخدمية، وافتتحوا العشرات من المؤسسات الخدمية كالمطاعم الضخمة والفنادق.

فضلاً عن تأسيس مصانع إنتاجية للصناعات الخفيفة والمشروبات والصناعات البلاستيكية والملابس الجاهزة، وقدرت تلك المصادر حجم استثمار القيادات السياسية والعسكرية، وتجار يمنيين في مصر بأكثر من 12 مليار دولار.'

صاحب العجل والشاي الأحمر

ومع طول النقاش نسي عمال القهوة إحضار الشاي الخمير العدني لنا, رغم كثرة مناداتنا لهم, ودخل رجل طاعن في السن تبدو عليه ملامح الفقر والعوز وكأن جبال الدنيا فوق رأسه من كثرة الهم والغم, لم نكترث لهذا المسن اليمني, وكان إمام القهوة مباشرة مجزرة لحم لرجل مصري ,ورأيت رجل يمني ويرتدي ملابس شعبية يمنية ( معوز وشميز وعمامة ) تمتاز بتناغم الألوان الزرقاء , يحدث الجزار عن سعر عجل صغير واشتراه واخرج من حقيبته مبلغ من المال ,فقلت لزميلي محمد الدباء الرجل اشتراء العجل دون ان يفاصل في قيمته.

أما الرجل الطاعن في السن فاشار إلى عامل القهوة بالمجئ وحين داني منه همس في اذنه ان احضر لي قلص شاهي احمر.. قال : محمد الدباء للمسن في هذه القهوة الشاي الحليب( المسمى الشاي العدني في مصر ) أفضل من الأحمر وردد بصوت منخفض جدا يكاد لا يسمع غيرنا .. يا اولادي أنني أعالج ابنتي من مرض خطير شفاكم الله واقتصد في المصاريف .

ووجدنا المفارقة في مصر بين ترف الأغنياء اليمنيين وفقرائها الذين لا يملكون مصاريف كافية للعيش في هذه البلد حتى يكتمل علاج مرضاهم'

( للحديث بقية )