اخبار اليمن
موقع كل يوم -صحيفة ٤ مايو الالكترونية
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
4 مايو / تقرير: مريم بارحمة
في لحظة مفصلية تعكس السعي الجاد نحو إنعاش الاقتصاد الجنوبي وإعادة الحياة للمؤسسات الحيوية، جاءت زيارة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى شركة مصافي عدن، بمثابة رسالة واضحة تؤكد على أولوية استعادة هذا المرفق السيادي، الذي ظل لسنوات أحد أهم الأعمدة الاقتصادية للجنوب واليمن عمومًا.
مصافي عدن.. تاريخٌ من الريادة
منذ تأسيسها في العام 1954، شكلت شركة مصافي عدن واحدة من أبرز المؤسسات النفطية في منطقة الجزيرة والخليج العربي. كانت عدن آنذاك نقطة التقاء استراتيجي عالمي، وميناؤها من أهم موانئ التزود بالوقود في العالم، لتصبح المصفاة بمرور الوقت القلب النابض لهذه الحركة الاقتصادية الحيوية.
وبفضل موقعها الجغرافي الفريد المطل على باب المندب وخليج عدن، أصبحت مصافي عدن حلقة وصل بحرية لتصدير النفط الخام والمشتقات، وشهدت فترة الستينيات والسبعينيات ذروة نشاطها، حيث كانت تُكرَّر فيها كميات ضخمة من النفط يوميًا، يتم شحنها إلى أوروبا وآسيا وشرق إفريقيا. كما أصبحت نقطة تزويد رئيسية للسفن العابرة في الميناء، مما عزز من مكانة عدن كميناء عالمي.
كانت مصافي عدن من أوائل المنشآت التي أدخلت تقنيات التكرير الصناعي للنفط في المنطقة، وتمكنت خلال العقود الأولى من عملها من بناء سمعة عالية من حيث الجودة والإنتاجية.
-دور إقليمي استراتيجي
لم يقتصر تأثير المصفاة على الجنوب فقط، بل كانت لاعبًا أساسيًا على الساحة الإقليمية، حيث قامت بتكرير النفط القادم من دول الخليج وتصديره إلى مختلف أنحاء العالم. بما في ذلك المازوت والديزل والبنزين، فضلًا عن الأسفلت ومواد أخرى كانت تُنتج وفق معايير عالية. وكانت تربطها عقود وشراكات مع كبرى الشركات العالمية، وهو ما أسهم في تحويل العاصمة عدن إلى مركز اقتصادي مهم في خارطة الطاقة والتجارة الدولية، وارتبط اسم مصافي عدن بالنفط والطاقة والازدهار.
مصافي عدن.. من تاريخ مشرق إلى واقع يُبعث من جديد
شكّلت مصافي عدن أول منشأة من نوعها في المنطقة، وعُرفت بدورها المحوري في تكرير النفط وتوزيع المشتقات النفطية على نطاق واسع. غير أن هذه المنارة الصناعية عانت كثيرًا بسبب الحروب والإهمال والتدمير الممنهج فمنذ اجتياح الجنوب عام 1994، دخلت المصفاة في نفق من التهميش والإقصاء. وتعرضت للحرمان الممنهج من أعمال التحديث والدعم، بل وتم إضعافها لصالح مصالح فئوية وشركات بديلة غير وطنية، ضمن سياسة اقتصادية مقصودة هدفت إلى ضرب بنيتها الإنتاجية، وتجفيف مواردها، وتشتيت كوادرها.
لكن اليوم، تعود عجلة الأمل لتدور، مدفوعةً برغبة صادقة من قيادة الجنوب لإعادة الحياة لهذا الصرح، وبدعم مباشر من الرئيس الزُبيدي الذي أثبت، بالأفعال لا بالأقوال فقط، التزامه بإحياء المؤسسات الوطنية الكبرى.
-تفاصيل الزيارة.. متابعة دقيقة وتوجيهات حازمة
في الخامس عشر من يوليو 2025، حضر الرئيس القائد عيدروس بن الزُبيدي إلى مقر مصافي عدن، حيث وقف ميدانيًا على ما يجري من أعمال فنية وإصلاحية، واطّلع على خطط إعادة التشغيل، والتقى بالكوادر الإدارية والفنية، مؤكّدًا خلال كلمته أن المصفاة ليست مجرد منشأة، بل 'شريان استراتيجي يجب أن يعود للعمل ليخدم أبناء الجنوب واقتصاده الوطني'.
-ما وراء الكواليس.. إعادة التشغيل تبدأ بخطة مدروسة
شرح القائم بأعمال المدير العام، المهندس سعيد محمد، تفاصيل خطة التشغيل أمام الرئيس عيدروس، مشيرًا إلى الاستعدادات الجارية لتشغيل الوحدة المصغرة بطاقة إنتاجية تصل إلى 6000 برميل يوميًا. كما أشار إلى الجهود المبذولة لتأهيل وحدة إنتاج الأسفلت، وصيانة محطة الكهرباء التابعة للمصفاة، إلى جانب تحديث البنية التحتية والإدارية للموقع.
هذه الخطوات تأتي ضمن رؤية شاملة لتأهيل المصافي وفق معايير فنية متقدمة، تضمن استدامة الإنتاج وتوفير الطاقة محليًا.
-دلالات استراتيجية لتشغيل المصفاة
إعادة تشغيل مصافي عدن لا تقتصر على إعادة مؤسسة للعمل، بل تنطوي على أبعاد وطنية عميقة منها: تحقيق السيادة الاقتصادية حيث أن المصفاة تُعد من أبرز رموز الاستقلال الاقتصادي، وتشغيلها يكرّس فك الارتباط عن التبعية الخارجية في مجال الطاقة. وتقليل الاعتماد على الاستيراد؛ لأن الإنتاج المحلي سيسهم في تقليص الحاجة لاستيراد الوقود، وبالتالي تخفيف الضغط على الميزانية العامة. واستقرار أسعار المشتقات بسبب وجود مصدر إنتاج محلي يسهم في كبح جماح السوق السوداء وضبط الأسعار. وخلق فرص عمل لأن؛ المشروع يفتح الأبواب أمام مئات الفنيين والمهندسين الجنوبيين لاستعادة مواقعهم في منشأة كانوا جزءًا من تاريخها. وتحفيز الاستثمارات والبنية التحتية فخطوة كهذه ستعزز ثقة المستثمرين، وتفتح آفاقًا جديدة لتطوير الموانئ وقطاع النقل والخدمات المرافقة.
-تفاعل واسع.. ارتياح شعبي ودعم نخبوي
زيارة الرئيس الزُبيدي حظيت بتفاعل واسع على مستوى الشارع الجنوبي، حيث اعتُبرت مؤشرًا على قيادة مسؤولة تتعامل بجدية مع الملفات السيادية. كما عبر العديد من عمال وموظفي المصافي عن تقديرهم للزيارة، مؤكدين أنها أعادت إليهم الأمل وأشعرتهم بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان.
القيادة الاقتصادية للرئيس الزُبيدي.. رؤية متكاملة لمستقبل الجنوب
خطوات الرئيس الزُبيدي لا تُفهم بمعزل عن مشروع استعادة الدولة الجنوبية، فالقائد يدرك أن بناء الدولة يبدأ من المؤسسات، وأن أي حديث عن سيادة لا قيمة له دون بنية تحتية قوية ومؤسسات إنتاجية فاعلة.
ومن هذا المنطلق، تأتي تحركاته لدعم مصافي عدن، والموانئ، وشركة النفط، وكل القطاعات السيادية، كجزء من خطة استراتيجية لتأمين أساس اقتصادي مستدام، قائم على: دعم الإنتاج المحلي. وتمكين الكفاءات الجنوبية. وبناء شراكات اقتصادية إقليمية فاعلة.
-العقبات ما زالت قائمة... لكن الإرادة أقوى
رغم هذا الزخم الإيجابي، إلا أن الطريق ليس معبّدًا بالكامل. فالمصفاة ما زالت تواجه تحديات جمّة منها : آثار عقود من الفساد والتدمير. ونقص الموارد المالية والدعم الفني. ومعوقات إدارية ورغبة بعض القوى بإبقاء المصفاة خارج الخدمة.
لكن القيادة الجنوبية، وفي مقدمتها الرئيس الزُبيدي، تبدو حازمة في المضي قدمًا، مدفوعة بثقة شعبية وإصرار وطني لا يتزعزع.
-المصافي بدايةٌ لنهضة شاملة
إعادة تشغيل مصافي عدن ليست خطوة عابرة، بل بداية حقيقية لمسار اقتصادي يعيد للجنوب مكانته الطبيعية. وها هي القيادة الجنوبية، وعلى رأسها الرئيس عيدروس الزُبيدي، تؤكد بالعمل لا بالشعارات، أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الجنوب ماضٍ في طريقه نحو استعادة دولته ومؤسساته.