اخبار اليمن
موقع كل يوم -الأمناء نت
نشر بتاريخ: ٢٦ أيلول ٢٠٢٥
كتب : حافظ الشجيفي
شكلت مشاركة القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن الوفد اليمني برئاسة الدكتور رشاد العليمي، محطة تستوجب التوقف والتحليل المتعمق.اذ إن الظهور على هذا المنبر الدولي، بهذه الصفة والهيئة، لم يكن مجرد حضور بروتوكولي، بل هو انعكاس دقيق وحساس لموقع القضية الجنوبية داخل خارطة الصراع والشرعية الراهنة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول المسار الذي تتخذه القيادة المفوضة بتمثيل تطلعات شعب الجنوب نحو استعادة دولته.
فقد جاءت مشاركة الزبيدي بصفته عضوًا في الوفد اليمني، وليس شريكًا على قدم المساواة في التمثيل الخارجي بموجب اتفاق الشراكة المبرم مع 'الشرعية'. وهنا تكمن أول ملامح الإشكالية؛ إذ ظهر الزبيدي ممثلًا لـ'اليمن التي تحتل الجنوب'، وهي الصفة الرسمية للوفد، متجاوزًا الصفة التي فوضه بها الشعب الجنوبي، وهي تمثيل القضية الجنوبية التي تهدف إلى اعلان الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية. وهذا الخضوع الشكلي للبروتوكول يبعث برسالة واضحة حول موقع المجلس الانتقالي الجنوبي داخل المعادلة اليمنية-اليمنية والدولية؛ موقع ينصهر ظاهريًا في الإطار الأوسع لـما بعرف'بالشرعية'
والأكثر إثارة للانتباه والتحليل هو مضامين الخطابات والأحاديث التي أدلى بها الزبيدي في فعاليات الدورة. فبدلاً من تكريس المنبر الدولي للحديث عن القضية الجنوبية وتطلعات الاستقلال، وهي المهمة الموكلة إليه بتفويض شعبي جنوبي، ركز الزبيدي على 'القضية اليمنية'، وتحديدًا على ملف تحرير صنعاء من مليشيا الحوثي. فهذا التحول في الأولوية الخطابية يثير ريبة بالغة؛ فمن المفترض أن يكون رئيس الوفد، رشاد العليمي، هو المعني بتمثيل الشق اليمني الشمالي من الشراكة والدفاع عن قضاياه.
بل زاد الأمر تعقيدًا عندما ربط الزبيدي صراحة تحقيق استقلال الجنوب بـتحرير صنعاء. وهذا الربط المباشر بين هدفين متباينين جغرافيًا وسياسيًا يطرح علامات استفهام كبرى. فبما أن الجنوب محرر بالكامل من سيطرة الحوثي، فإن الخطر الأكبر على استقلاله لا يأتي من الشمال الذي يحتله الحوثي، بل من استمرار الشراكة مع قوى 'الشرعية' التي تمثل الوجه الآخر لاحتلال الجنوب ووصاية القوى اليمنية عليه. فربط مصير الجنوب بمصير صنعاء يوحي بـتذويب القضية الجنوبية في إطار الصراع اليمني العام، وهو ما يتنافى مع جوهر التفويض الشعبي الممنوح له بالاستقلال.
وتفاقمت الإشكالية عندما صرح الزبيدي لاحقًا بأن تحرير صنعاء من الحوثي 'أمر مستحيل'. وهنا تظهر المفارقة المنطقية بشكل حاد وكارثي على تطلعات الجنوبيين: فإذا كان استقلال الجنوب مرهونًا بشرط (تحرير صنعاء)، والشرط نفسه مصنَّف من قبل القيادة الجنوبية على أنه مستحيل التحقيق، فإن النتيجة الحتمية هي تأبيد حالة الوصاية الراهنة على الجنوب في ظل الشراكة القائمة مع القوى اليمنية الي ما لانهاية.
ويصبح السؤال المطروح بقوة: ما المصلحة الجنوبية في ربط قضية الاستقلال بتحرير صنعاء، خصوصًا إذا كان تحرير صنعاء وتحقيق 'السلام' يشكل خطرًا ماحقًا على استقلال الجنوب من خلال توحيد القوى الشمالية وتفريغ الجنوب من أهميته الاستراتيجية في معادلة الصراع؟ فاستقلال الجنوب، منطقيًا وواقعيًا، مرتبط بـفك الشراكة مع القوى اليمنية في مجلس القيادة الرئاسي، وليس بانتهاء حربها ضد الحوثي.
وفي سياق آخر، جاءت مطالبة الزبيدي بـإقامة انتخابات لاختيار قيادة جديدة لمجلس القيادة الرئاسي، لتضيف طبقة جديدة من التناقض. فالمطالبة بانتخابات على مستوى كل اليمن، دون أن تكون مقصورة على الجنوبيين لانتخاب قيادتهم، تتعارض بشكل أساسي مع أهداف الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية التي قدم من أجلها الشعب الجنوبي تضحيات جسام.اذ إن إجراء انتخابات شاملة لـ'اليمن' يعني الاعتراف بـالوحدة وإعادة إنتاج لـشرعية يمنية موحدة، وهو ما يتنافى مع مطالب الاستقلال الجوهرية للجنوب.
وفي الختام، يظهر جليًا أن التصريحات والمواقف التي تبناها الزبيدي في الدورة الثمانين للأمم المتحدة، على الرغم من أهميتها كجزء من الممارسة السياسية الراهنة، لا تبدو معبرة بالضرورة عن إرادة شعب الجنوب أو ممثلة لـتطلعاته الثابتة في الاستقلال الكامل. فهي تمثل المسار الذي اختاره الزبيدي في ظرف دقيق من الشراكة السياسية. أما الشعب الجنوبي، فما زال متمسكًا بثوابته، ويسعى بوضوح إلى استعادة دولته دون تراجع أو تفريط في الأهداف التي قدم من أجلها التضحيات، مؤكدًا أن أي تمثيل لا يخدم هذا الهدف بشكل مباشر وواضح هو تمثيل للذات وليس تفويضًا للشعب. فالقضية الجنوبية تظل مشروعًا للاستقلال، لا يمكن اختزاله أو تأجيله أو ربطه بمقايضات لا تخدم استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.