اخبار اليمن
موقع كل يوم -الأمناء نت
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
قالت مصادر دبلوماسية أوروبية إن تفعيل 'آلية الزناد' ينطلق من تقدير أوروبي بأن البرنامج النووي الإيراني تجاوز الخطوط التي نصّ عليها اتفاق 2015.
وأشارت المصادر في حديثها لـ'إرم نيوز' إلى أن المسألة لم تعد محصورة بحدود الملف النووي فقط، إذ إن ما يقلق بروكسل هو الكيفية التي تُترجم بها طهران قدراتها النووية والاقتصادية إلى نفوذ إقليمي عبر شبكات تمويل وتسليح في مناطق مضطربة.
ولفتت إلى أن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع العقوبات الجديدة على أنها مسار مزدوج، 'من جهة نريد وقف التدهور في الملف النووي وإجبار إيران على العودة إلى سقف التزاماتها، ومن جهة ثانية ندرك أن النفوذ الإقليمي لن يضعف ما لم يُعالج الخلل في قدرة إيران على تمويله. لذلك نعتبر أن الضغط النووي والإقليمي وجهان لسياسة واحدة'.
رهان على الضغط التراكمي
وتؤكد المصادر أن بروكسل لا تتحرك بدافع الرغبة في معاقبة إيران فقط، بل بدافع الحاجة إلى إعادة ضبط موازين القوة، موضحةً أن 'النووي بالنسبة لنا هو تهديد مباشر للأمن الدولي، والتمدد الإقليمي هو تهديد مباشر لاستقرار الشرق الأوسط، وكلاهما مرتبط ويجب التعامل معهما معًا'.
ونوهت إلى أن النقاش داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لم يكن سهلًا، إذ انقسمت بعض الدول الأعضاء بين من أراد الاكتفاء بمسار نووي ضيق، ومن رأى أن تجاهل البُعد الإقليمي سيجعل أي عقوبات بلا فاعلية. 'في النهاية استقر الموقف على أن التعامل مع إيران يجب أن يكون شاملًا، لأن أي تقدم نووي سيتحول تلقائيًّا إلى رافعة سياسية وعسكرية في الإقليم، والعكس صحيح.'
وأوضحت أن بروكسل تدرك أن العقوبات قد لا تُفضي سريعًا إلى تغيير سلوك طهران، لكنها تراهن على أثرها التراكمي، 'نحن لا نتحدث عن ضربة حاسمة، بل عن مسار يراكم الضغوط، ويفرض على القيادة الإيرانية إعادة حساباتها كلما تراجعت قدرتها على تمويل أنشطتها الخارجية أو تطوير برنامجها النووي بلا كلفة'.
كما تُبيّن المصادر أن الاتحاد الأوروبي 'يسعى عبر هذه الخطوة إلى حماية نفسه من تبعات أي انهيار محتمل في الاتفاق النووي'، لأن غياب إطار قانوني واضح سيجعل المنطقة مفتوحة على سباق تسلح نووي. 'بالنسبة لنا، لا يكفي أن نطالب إيران بخفض التخصيب، بل يجب أن نضمن أن قدراتها المالية والعسكرية لا تتحول إلى وقود لصراعات جديدة بالوكالة'.
كبح التمدد الإيراني
واعتبرت مصادر 'إرم نيوز' أن تفعيل آلية الزناد هو قرار اتُّخذ حول كيفية التعامل مع ما وصفته بـ'النفوذ الإيراني المتشعب في بؤر الاضطراب الإقليمي'. كما أوضحت أيضًا أن الأوروبيين باتوا ينظرون إلى طهران باعتبارها لاعبًا يملك قدرة على تعطيل استقرار الإقليم من خلال شبكة تمويل وتسليح، أكثر مما يملك قدرة على فرض نفسه بقوة الدولة المركزية.
وتضيف المصادر أن تقدير بروكسل يقوم على فرضية أن العقوبات الاقتصادية والعسكرية الجديدة ستؤثر تدريجيًّا في قدرة إيران على إدارة هذا 'الامتداد الوظيفي' في المنطقة. 'المسألة ليست متعلقة بضربة قاضية، وإنما بإبطاء حركة هذه الشبكات، وإجبارها على مواجهة كلفة أعلى في التمويل والتسليح، وهو ما سيضعفها بمرور الوقت'.
كما تشير المصادر إلى أن الاتحاد الأوروبي يقرأ تبعات هذه الخطوة في ثلاثة مستويات: أوَّلها مالي يتعلق بتقليص تدفق الأموال التي تصل إلى حزب الله اللبناني والحوثيين والميليشيات العراقية، وثانيها سياسي يتمثل في إضعاف صورة إيران كقوة قادرة على الوفاء بوعودها لحلفائها المحليين، أما المستوى الثالث فهو دبلوماسي، إذ ترى بروكسل أن هذه العقوبات تجعلها طرفًا فاعلًا في صياغة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، بدلًا من الاكتفاء بدور المساند لواشنطن.
هذا ويفتح قرار الاتحاد الأوروبي بتفعيل 'آلية الزناد' ضد إيران مسارًا جديدًا في المواجهة معها، عنوانه تقييد النفوذ الإقليمي وليس مجرد محاصرة الملف النووي. العقوبات الاقتصادية والعسكرية التي بدأ تطبيقها لا تقتصر على الداخل الإيراني، وإنما تمتد لتطال البنية التي سمحت لطهران بتمويل وتسليح شبكاتها في لبنان والعراق واليمن. المعركة تدور هذه المرة حول المجال الحيوي الذي بنت عليه إيران حضورها في المنطقة، وحول قدرتها على الاحتفاظ به في ظل حصار متدرج تتولى بروكسل صياغته بخطوات محسوبة.
وبهذا القرار، يحاول الاتحاد الأوروبي أن يثبت أن زمن التساهل مع 'النفوذ بالوكالة' قد انتهى. فالمسألة لم تعد مرتبطة بمدى التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، بقدر ما يتعلق بكيفية ترجمة مواردها إلى أدوات إقليمية تشكل تهديدًا مباشرًا للبيئة الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط. ولهذا، فإن العقوبات تُفهم كخطوة لإعادة ضبط موازين القوى، عبر تعطيل قدرة طهران على تحويل فائضها المالي والعسكري إلى قوة نفاذ في دول تعاني أصلًا من هشاشة داخلية.
إعادة رسم المشهد الإقليمي
منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، ظلّ الأوروبيون يحاولون التوازن بين التمسك بالاتفاق كإطار قانوني وبين غض الطرف عن نشاطات إيران الإقليمية. لكن تفعيل 'آلية الزناد' الآن يكشف أن بروكسل صارت تعتبر أن النفوذ الإيراني بات تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والأمن الأوروبي على حد سواء. العقوبات الجديدة هي محاولة لحرمان طهران من أوكسجينها المالي والعسكري الذي يغذي أذرعها في المشرق والخليج.
يقول المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية، محسن زغلول، في حديثه لـ'إرم نيوز'، إن حزب الله في لبنان يواجه اليوم معضلة بنيوية تتجاوز مسألة العقوبات الفردية التي استهدفت أسماء وواجهات اقتصادية في السابق.
وبين أن اعتماده العضوي على التمويل الإيراني كان الركيزة التي قامت عليها منظومته العسكرية والاجتماعية، مشيرًا إلى أنه مع تشديد بروكسل القيود على التحويلات المالية وتعطيل القنوات المموهة عبر مصارف وشركات واجهة، يصبح الحزب أمام 'معركة استدامة داخلية'.
وهذا التحدي بحسب المحلل السياسي لا يتعلق بالسلاح وحده، بل بقدرته على تمويل شبكة الخدمات والرعاية التي استخدمها لتثبيت حضوره السياسي والاجتماعي. هذا التحول، برأي زغلول، يعني أن العقوبات الأوروبية للمرة الأولى تستهدف البنية الحاضنة لعمل الحزب، وليس فقط رموزه الظاهرة.
النفوذ الإيراني في العراق
أما في العراق، حيث تشابك النفوذ الإيراني لسنوات مع مؤسسات الدولة، فإن انعكاسات العقوبات تبدو أكثر وضوحًا.
فالميليشيات التي اعتمدت على المال والسلاح الإيراني تجد نفسها اليوم أمام تضييق متزايد على مواردها. ورغم أن هذه الجماعات لن تختفي بين ليلة وضحاها، فإنها ستُدفع أكثر للاعتماد على اقتصاد الظل، أو حتى ابتزاز مؤسسات الدولة نفسها لتأمين بقائها.
الخطورة هنا، بحسب زغلول، مزدوجة؛ فمن جهة تتعرض إيران لفقدان جزء من قدرتها على التحكم بالمشهد العراقي، ومن جهة أخرى يزداد تفكك الدولة العراقية بفعل صعود قوى غير شرعية تبحث عن تمويل بديل. وبذلك، يصبح النفوذ الإيراني أقل رسوخًا، وأكثر عرضة للتآكل بفعل الضغط الاقتصادي والسياسي المتدرج.
وفي اليمن، يرى زغلول أن العقوبات تُترجم مباشرة إلى صعوبات في استمرار تدفق السلاح والدعم العسكري للحوثيين.
فإيران، التي اعتمدت لسنوات على مسارات بحرية معقدة لإيصال شحناتها، تواجه اليوم مراقبة أوروبية أكثر صرامة على الممرات البحرية؛ ما يضاعف الكلفة ويزيد المخاطر، ورغم أن هذا لا يعني توقف الدعم بالكامل، فإنه يضع الحوثيين أمام اختبار حقيقي يتعلق بقدرتهم على خوض حرب استنزاف طويلة دون مظلة دعم ثابتة.
الأثر الإستراتيجي يتجاوز اليمن نفسه، إذ يُفقد طهران إحدى أوراقها الأساسية في الخليج وباب المندب، ويُضعف قدرتها على استخدام هذه الورقة كورقة ضغط في معادلات الأمن الإقليمي.
ما يميز هذه العقوبات أنها تخرج الاتحاد الأوروبي من موقع 'المراقب القلق' إلى موقع الفاعل المباشر في لعبة النفوذ. فالأوروبيون الذين انشغلوا لسنوات بأزمة أوكرانيا وأمن الطاقة، يربطون اليوم أمنهم الشرق أوسطي بمواجهة النفوذ الإيراني. الرسالة واضحة ومفادها يقول بأنه لم يعد البرنامج النووي وحده على الطاولة، بل أيضًا شبكة الوكلاء الإقليميين. وبذلك، تضع بروكسل نفسها في مواجهة مفتوحة مع طهران، ولو عبر أدوات اقتصادية ودبلوماسية؛ ما يغيّر معادلة التوازنات التي طالما تركت لإيران مساحة مناورة واسعة.
تحول في عقل بروكسل
ويرى محلل متخصص في الشؤون الأوروبية، عمر عبد الوهاب، خلال حديثه لـ'إرم نيوز' أن ما يحدث يعكس تحوّلًا في عقل بروكسل السياسي، إذ لم يعد بالإمكان الاكتفاء بدور الوسيط أو 'الراعي للاتفاق النووي'، وإنما جرى تبنّي دور الطرف الفاعل الذي يُعيد صياغة قواعد اللعبة. هذا التحول بحسب قوله جاء بالانطلاق من أن التساهل السابق جعل طهران توسّع حضورها الإقليمي على حساب الاستقرار الإقليمي والأمن الأوروبي ذاته.
ويضيف أن بروكسل تتحرك أيضًا من منطلق دفاعي؛ فأي فشل في احتواء إيران نوويًّا وإقليميًّا سيعني سباق تسلح جديد في الشرق الأوسط، وهو ما يهدد مباشرة أمن الطاقة وتدفق الهجرة، وهما ملفان يعتبرهما الاتحاد أولوية قصوى. لذلك، فإن العقوبات ليست مجرد رسالة سياسية، بقدر ما هي محاولة لقطع الطريق أمام انعكاسات قد تصل إلى الداخل الأوروبي نفسه.
ويشير المحلل كذلك إلى أن الأوروبيين يسعون إلى تقليص اعتمادهم على المظلة الأمريكية في إدارة الملف الإيراني، ويضيف 'صحيح أن واشنطن تبقى لاعبًا أساسيًّا، لكن الاتحاد الأوروبي يريد أن يظهر أنه قادر على صياغة إستراتيجياته الخاصة في الشرق الأوسط، لا أن يكون تابعًا بالكامل للقرار الأمريكي'.
وتابع 'هذا البُعد يكسب العقوبات أهمية مضاعفة، لأنها تمثل اختبارًا لقدرة الاتحاد على ممارسة سياسة خارجية مستقلة نسبيًّا في منطقة طالما شكّلت مسرحًا للنفوذ الأمريكي'.
أدوات بروكسل
وبحسب محلل الشؤون الأوروبية، فإن هذه الخطوة تطرح أيضاً سؤالًا داخليًّا على الاتحاد الأوروبي، حول إذا ما كانت بروكسل تمتلك أدوات كافية لمتابعة هذه المواجهة مع إيران، موضحًا أن 'القوة الاقتصادية موجودة، لكن القدرة على ترجمة ذلك إلى نفوذ سياسي–أمني طويل الأمد ما زالت موضع شك، وهو ما يعني أن العقوبات، رغم أهميتها، تكشف حدود المشروع الأوروبي نفسه بين الرغبة في لعب دور القوة الموازنة، وبين واقع الانقسامات الداخلية وصعوبة توحيد المواقف في ملفات شديدة الحساسية'.
وتأتي العقوبات الأوروبية كفصل جديد في تآكل النفوذ الإيراني، حيث يقول عبد الوهاب 'صحيح أن طهران تملك خبرة طويلة في الالتفاف على العقوبات، لكن الفارق هذه المرة أن الهدف لم يعد اقتصادها الداخلي فقط، بل شبكة نفوذها العابرة للحدود'.
وأردف 'من بيروت إلى بغداد وصنعاء، تبدو قدرة إيران على تمويل وإدارة هذه الشبكات أكثر هشاشة من أي وقت مضى؛ ما يجعل المنطقة على أعتاب إعادة توزيع جديدة للنفوذ، يكون فيها الدور الإيراني أكثر انكماشًا وأكثر عرضة للمساومة'.