اخبار اليمن
موقع كل يوم -الثورة نت
نشر بتاريخ: ١٦ أيار ٢٠٢٥
الثورة نت/..
تحمل غزة رغم صغر مساحتها وجع فلسطين من جديد، وجع ممتد منذ عشرات السنين لتكمل مسيرة النكبة الفلسطينية عام 1948 بنكبة حديثة هي أشد وطأة وأكثر فتكاً، يخوض فيها جيل متعاقب غمار معركة من المعاناة والتهجير والقهر والحرمان لم تنتهِ فصولها حتى اللحظة.
ويُحيي الفلسطينيون حول العالم مأساة ذكرى النكبة في 15 مايو من كل عام، والتي هجَّر الاحتلال الإسرائيلي وشرَّد أكثر من 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم إلى دول مجاورة، وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما أعلن الاحتلال قيام 'إسرائيل' في التاريخ المذكور على أراضي الفلسطينيين.
وتعود النكبة هذا العام 2025، وما زال قطاع غزة تحت وطأة نكبة مضاعفة يرتكب خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي أبشع المجازر وأقسى الجرائم وأعتاها منذ السابع من أكتوبر 2023.
وتكرر سيناريو النكبة الفلسطينية على أذهان الأجيال الحديثة في قطاع غزة، بعد أن أجبر جيش الاحتلال أكثر من مليوني فلسطيني على النزوح من منازلهم تحت وطأة الإكراه والقصف منذ بدء حرب الإبادة.
يروي السيد عياد الحميدي ( 78 عاماً) أحد المهجرين من مدينة بئر السبع، بعضاً من تفاصيل الأجداد التي عايشوها إبان النكبة الفلسطينية عام 1948 وما بعدها، ولمّا يتجاوز عمره حينها بضع سنوات.
يستذكر 'عياد' بعض المشاهد التي عاينها، والتفاصيل الجمة التي رواها الآباء والأجداد، فيقول لـ'وكالة سند للأنباء'، كانت العصابات الصهيونية في مناوشات دائمة مع الفلسطينيين منذ عام 1936 وما قبلها، حتى انتهى بهم الحال لإقامة وطن قومي لليهود على أراضي الفلسطينيين في الـ48.
ويتابع حديثه، ' في عام 1948 دخل جيش الاحتلال على كل بلدة وقرية ومدينة، يقتلوا من يقتلوه ويُهجِّروا من يهجروا'، مضيفاً 'وفي طريق الهجرة كان الفلسطينيون يحذرون القرى المجاورة من اقتراب جيش الاحتلال منهم، فيتهيأوا للرحيل'.
'كنا نفكرها يوم يومين أسبوع لكن مرت 77 سنة واحنا بننتظر العودة'، يستكمل حديثه قائلاً: 'لم نأخذ متاعاً إلا مفاتيح البيوت الحجرية والطينية، علَّنا نعود في أيام قليلة'.
ويتابع: 'سرعان ما أقام جيش الاحتلال الإسرائيلي ما وصفه ضيفنا 'خط الهدنة' وهو السياج الفاصل على طول حدود قطاع غزة'.
'مر يوم، أسبوع، شهر، سنة، سنوات ولمَّا نعود'، ويضيف:' كنت طفلاً صغيراً عندما حاول أحد أقارب أمي الدخول عبر خط الهدنة من قطاع غزة إلى مدينة بئر السبع، لكنه ذهب ولم يعد، حتى اتضح لنا بعد ذلك أنه استشهد برصاص الاحتلال'.
ويبيِّن أن جيش الاحتلال الإسرائيلي كان يستهدف كل مَن يحاول الدخول إلى الأراضي والقرى المحتلة.
ومن طفولته يروي لنا مشهداً ترك فيه أثراً حيث حكم الاحتلال على كُل من تهجَّر بالبقاء في مكان هجرته، مستدركاً' لكن حالنا كحال الكثير كُتب علينا الشقاء، فعندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية كان يُطلب منا اسم الطالب ومكان إقامته، ولكن لم يكن عندي مكان إقامة فكل عام كنا نتنقل من مكان لآخر'.
وفي خضم حديثه يقاطع نفسه قائلاً: ' طول عمرنا منكوبين وعايشين في نكبة، لكن مثل نكبة غزة من الـ2023، حتى هذه اللحظة لا يوجد'.
'كُتِب علينا التهجير'..
وبدءاً ممَّا ختم 'عياد'، يقول المُسن خليل عطيش أحد اللاجئين من مدينة بيت جرجا الفلسطينية عام 1948، ونازحٌ في مخيمات الإيواء في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة إثر حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر2023.
بنبرة فلسطيني عاجز مقهور، يُبيِّن ضيفنا لـ'وكالة سند للأنباء' أن عام النكبة الفلسطينية لا شيء أمام ما يعيشه قطاع غزة من حرب همجية بدأت في 2023 ولم تضع أوزارها بعد.
ويتابع:' نرى مشاهد النكبة تتكرر أمام أعيننا لكن بحالة وصورة أبشع، حيث تبين الغل الإسرائيلي والحقد الدفين تجاه الفلسطينيين'.
ويزيد:' أنا الآن نازح في دير البلح، صار نفسي أرجع على الشجاعية شرق مدينة غزة لكن الدمار المهول وكونها منطقة تمركز جيش الاحتلال تمنعنا من العودة، بينما الحلم الأكبر يتمثل بالرجوع إلى مدينتي بيت جرجا والعيش في أحيائها'.
جيل الإبادة..
وهذا جيل آخر لم يعاصر النكبة ولم يعش تفاصيلها، لكنه نُكِب بحرب أشد، ونزوح أقسى وتهجير ممنهج، وحرب ضروس قُرعت طبولها منذ عام ونصف، وكأن سيناريو التهجير يتكرر من جديد.
السيدة هبة خليل (38 عاماً)، لم تلحق أحداث النكبة عام 48 لكنها عايشت نكبات فلسطينية وحروب طاحنة كان أبرزها حرب الإبادة الجارية، والتي وصفتها 'ما في نكبة بعدها'.
تقول لـ'وكالة سند للأنباء'، إنها نزحت وعائلتها وأطفالها لأكثر من 7 أماكن في قطاع غزة إلى أن انتهى بها الحال إلى مخيمات النزوح وسط القطاع.
وتشاركنا ما جال في خاطرها:' كنت أقول وأنا بتنقل وبنزح تحت الرصاص، معقول أهالينا كانوا هيك في نكبة الـ48؟ عاشوا إلِّي عشناه؟ وتجيب على نفسها 'إحنا ذقنا إلِّي ما ذاقه أجدادنا، مُتنا قصف وجوع وخوف'.
وينتاب 'هبة' شعوراً بالخوف من أن يكون مآلها وحالها كحال اللاجئين الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى المدن الفلسطينية حتى اللحظة.
وتهز رأسها كأنها تطرد أفكار التهجير منه 'لا، سنعود وكما انتزع أهالي قطاع غزة حقهم بالعودة إلى شمال القطاع بعد نزوحهم، سننجو من مما تعرض له أجدادنا في النكبة'.
الشابة في الثانوية شذا أكرم أبو ركاب، تستذكر أهازيج أجدادها إذ علق في ذاكرتها مقطعاً من أغنية تراثية قديما 'والله يا دارنا إن عُدتي بأهاليكي لطليكِ بالشيد وبعد الشيد أحنيكي'.
تقول لـ'وكالة سند للأنباء'، 'كثيراً ما سمعت عن مدننا الفلسطينية وبلداتنا وشعرت بمرار النزوح عندما نزحت من بيتي عدة مرات تحت وطأة الإجبار'.
وتحدثنا بلهفة:' الحمد لله عُدت إلى بيتي بعد رحلة من النزوح، وأتمنى كما ذقت العودة الصغرى أن نتنسم ريح البلاد بالعودة الكبرى'، وتستدرك في نهاية حديثها 'لكن والله ما في مثل هذه الحرب وما بتوقع شفنا ولا حنشوف مثلها، ما أصعبها'!.
وفي سياق حديثها، توضح:' أنا طالبة ثانوية عامة حتى الآن أمشي في مصير مجهول، لا أدري إلى أي حال سنصل ونحن أمام مستقبل غير متضح المعالم وهذه نكبة أخرى تهدد الجيل الجديد'.
سيناريو يتكرر..
ويرتسم مشهد الهجرة الفلسطينية خلال النكبة عام 48 بمشاهد نزوح عشرات آلاف السكان من قطاع غزة قسراً من شمال القطاع إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.
بينما يتكرر سيناريو استهداف كل مَن كان يحاول اجتياز الحدود والوصول إلى الأراضي التي هُجر منها قديماً، بمشهد مَن حاولوا المرور عبر حاجز 'نتساريم' للعودة إلى شمال القطاع حديثاً.
أما مخيمات اللجوء الفرق هُنا أنها توزعت في مدن فلسطينية ودولٍ عربية مجاورة، لكن قطاع غزة احتضن في كل مكان فيه مخيماً للإيواء إلى حين انتهاء الحرب.