اخبار اليمن
موقع كل يوم -صحيفة ٤ مايو الالكترونية
نشر بتاريخ: ٢١ أيار ٢٠٢٥
4 مايو / تقرير: مريم بارحمة
تحل علينا الذكرى الحادية والثلاثون لإعلان فك الارتباط بين الجنوب والشمال في 21 مايو 1994، وهي ذكرى تحمل في طياتها رمزية نضالية ووطنية عميقة لشعب الجنوب، الذي قرر، بعد سنوات من الوحدة الفاشلة والحرب الظالمة التي شنها نظام صنعاء على الجنوب، أن يستعيد قراره السياسي ويعلن فك الارتباط دفاعًا عن كرامته وهويته وحقوقه التاريخية المشروعة. لم يكن هذا الإعلان مجرد موقف سياسي عابر، بل كان امتدادًا لإرادة شعبية متجذرة في وجدان الجنوبيين، الذين رأوا في الوحدة أداة للهيمنة والإقصاء والنهب، وليست شراكة كما كان يُروَّج لها.
-جذور الوحدة وانهيارها
عند إعلان الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990، كانت هناك آمال واسعة في بناء دولة يمنية حديثة تقوم على الشراكة والتكامل والعدالة. إلا أن هذه الآمال سرعان ما تبخرت بعد أن تحولت الوحدة إلى مشروع استحواذ وهيمنة من قبل النظام في صنعاء، الذي بدأ بإقصاء الكوادر الجنوبية من مؤسسات الدولة ونهب ثرواتهم وتعطيل دورهم السياسي والمدني.
استمرت الأوضاع في التدهور حتى اندلاع الحرب في صيف عام 1994، حيث شن نظام صنعاء بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبمشاركة قوى الإسلام السياسي، عدوانًا واسعًا على الجنوب. وبعد اجتياح الجنوب واحتلاله في 7 يوليو 1994، تم فرض أمر واقع بقوة السلاح، وأُلغيت كل مظاهر الشراكة، وتم تدمير مؤسسات الدولة الجنوبية السابقة وفرض الوصاية الكاملة على الجنوب.
-إعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994
في ظل هذه الظروف القمعية، جاء إعلان فك الارتباط من قبل الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض في 21 مايو 1994، كتعبير عن رفض الجنوب لما آلت إليه الوحدة، وإعلان رسمي عن الانفصال السياسي والإداري والمؤسسي عن نظام صنعاء. أعلن البيض في خطابه من قلب العاصمة عدن استعادة دولة الجنوب المستقلة، مؤكدًا أن الوحدة لم تعد قائمة بفعل ما مارسه النظام الشمالي من انتهاكات.
وقد شكل هذا الإعلان لحظة فارقة في التاريخ السياسي الجنوبي، حيث كان أول تعبير رسمي عن إرادة الانفصال بعد أن تحولت الوحدة إلى أداة للظلم، وليس كما كان يأمل أبناء الجنوب. وعلى الرغم من أن الإعلان لم يُكتب له النجاح في حينه نتيجة التفوق العسكري لقوات صنعاء، إلا أنه ظل وثيقة سياسية وتاريخية تؤسس لمطلب استعادة الدولة الجنوبية المستقلة.
-أهمية 21 مايو في الوجدان الجنوبي
لا تزال ذكرى 21 مايو تحظى بمكانة خاصة في نفوس أبناء الجنوب، كونها تُمثّل لحظة وعي وطني جماعي بأن لا مستقبل للجنوب إلا بدولته المستقلة. وقد أصبحت هذه الذكرى، عامًا بعد عام، رمزًا من رموز النضال الجنوبي ومناسبة وطنية تتجدد فيها العزيمة والإصرار على استعادة الدولة.
ويحرص الجنوبيون في كل محافظات الجنوب على إحياء هذه المناسبة من خلال المسيرات والفعاليات والبيانات السياسية، لتجديد العهد بالثبات على خيار الاستقلال، وتذكير الأجيال الجديدة بأن الحرية والسيادة لا تأتي إلا بالتضحيات والوحدة الوطنية.
-من إعلان فك الارتباط إلى الحراك الجنوبي
رغم قمع النظام الشمالي للحركة الجنوبية بعد 1994، ظل الجنوبيون يتمسكون بحقهم في الاستقلال، فكانت انتفاضات متكررة، في انطلاق الحراك الجنوبي السلمي في 2007، بقيادة نخبة من القادة العسكريين والمدنيين، الذين تعرضوا للإقصاء من مؤسسات الدولة.
رفع الحراك الجنوبي شعار استعادة الدولة، متسلحًا بإرث 21 مايو، ومطالبًا العالم بالاعتراف بأن الوحدة فشلت وتحولت إلى احتلال. ومن خلال الفعاليات السلمية والاعتصامات والمسيرات، أعاد الحراك قضية الجنوب إلى واجهة المشهد السياسي، محققًا مكاسب سياسية وإعلامية وشعبية واسعة.
-تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي: تجسيد لإرادة فك الارتباط
في مايو 2017، جاء تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، كتجسيد عملي للخطاب الجنوبي التاريخي الذي بدأ بإعلان فك الارتباط. فقد تمكّن المجلس من توحيد الجهود السياسية والعسكرية والشعبية، وتمثيل قضية شعب الجنوب في المحافل الإقليمية والدولية.
ويُعدّ المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم الوريث السياسي والشرعي لإرث 21 مايو، حيث بات الصوت الأبرز لقضية الجنوب، ويقود مشروع استعادة الدولة، مستفيدًا من التغيرات الإقليمية والدولية والدعم الشعبي الجنوبي الواسع.
-21 مايو في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية
أدى تزايد الوعي الدولي بحقيقة ما يجري في اليمن، وفشل مشروع الوحدة، إلى فتح نوافذ جديدة أمام قضية شعب الجنوب. فقد بدأت العديد من الدول والمنظمات تدرك أن الحل العادل لا يمكن أن يتم دون الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، وأن الوحدة لم تعد خيارًا ممكنًا.
وفي ظل استمرار الحرب، وضعف سلطة صنعاء، وبروز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة عسكرية وسياسية، بات مطلب استعادة الدولة يحظى بزخم غير مسبوق، مستندًا إلى شرعية شعبية وتاريخية وإرادة سياسية واضحة.
-تطلع الجنوبيين إلى المستقبل
إن الاحتفال بذكرى 21 مايو هذا العام لا يقتصر على استذكار الماضي، بل هو محطة لتجديد العهد بأن لا عودة إلى الوراء، ولا تراجع عن مطلب الدولة الجنوبية. فشعب الجنوب قدّم قوافل من الشهداء، وخاض معارك شرسة في مواجهة الإرهاب والاحتلال، وبات يمتلك مؤسسات أمنية وعسكرية واقتصادية تمكنه من إدارة شؤونه.
يتطلع الجنوبيون اليوم إلى مرحلة جديدة عنوانها 'الاستقلال الكامل'، ضمن دولة فدرالية جنوبية تحفظ الحقوق وتصون الهوية، وتبني مؤسسات قوية على أسس الشفافية والحكم الرشيد، بعيدًا عن الفساد والاستبداد الذي كان سائدًا في مشروع الوحدة الفاشل.
-رسائل في ذكرى فك الارتباط
-رسالة إلى أبناء الجنوب: بأن وحدتكم هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقلال، وأن الاصطفاف خلف القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي هو السبيل لتثبيت المكاسب.
-رسالة إلى الأعداء: أن الجنوب لم ولن يكون تابعًا بعد اليوم، وأن أي محاولات لإعادة احتلاله ستُقابل بمقاومة شرسة من شعب لا يُقهر.
-رسالة إلى المجتمع الدولي: أن اعترافكم بحق شعب الجنوب في استعادة دولته، ليس فقط استجابة لإرادة شعبية، بل مساهمة في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
-رسالة إلى شباب الجنوب: أنتم مستقبل الجنوب، فتعلموا تاريخه، وتمسكوا بهويتكم، وكونوا على قدر المسؤولية في بناء الدولة القادمة.
في الذكرى الـ31 لإعلان فك الارتباط، يتجدد العهد والوفاء لدماء الشهداء، ويتعزز الإيمان بأن الجنوب قادم لا محالة. فكما أن إرادة الشعوب لا تُكسر، فإن حلم الجنوبيين باستعادة دولتهم المستقلة سيظل مشروعهم المقدس، الذي لن يتراجعوا عنه حتى رفع علم الجنوب عاليًا خفاقًا على كل ربوعه.
إن 21 مايو لم يعد مجرد ذكرى، بل هو مشروع حياة، وموعد دائم مع الحرية والكرامة، ودرس عظيم في الإرادة والتمسك بالحقوق، سيظل حيًّا في وجدان كل جنوبي حتى تتحقق الغاية الكبرى في دولة جنوبية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها عدن.