اخبار اليمن
موقع كل يوم -الأمناء نت
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
عدن تتذكر شهداء الواجب.. وتؤكد أن الإرهاب لن يكسر إرادتها
حين نجا لملس من تفجير حجيف، حمل في قلبه وصية الشهداء: 'عدن أولًا'
الدم الذي سُفك في حجيف صار حبرًا لكتابة قصة صمود وطن
لملس.. الرجل الذي واجه الموت بابتسامة المسؤول المؤمن بعدالة قضيته
سلامٌ على شهداء حجيف.. وسلامٌ على عدن التي لا تموت
الأمناء / غازي العلوي :
تمرّ على العاصمة عدن ذكرى أليمة تنكأ الجرح وتوقظ الذاكرة من سباتها، ذكرى التفجير الإرهابي الغادر في منطقة حجيف بمديرية التواهي، الذي استهدف موكب وزير الدولة محافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس ، ووزير الثروة السمكية والزراعة اللواء عبدالله سالم السقطري.
أربع سنوات مضت على ذلك اليوم المشؤوم، لكن صدى الانفجار لا يزال يتردد في وجدان المدينة، وفي قلوب من عاشوا تفاصيله المؤلمة.
لم يكن ذلك الحادث مجرد عملٍ إرهابي عابر، بل طعنة غادرة في قلب عدن، المدينة التي دفعت أثمانًا باهظة من أجل أن تبقى منارة للحرية والأمل، وعنوانًا لصمود الجنوب في وجه الإرهاب والعبث.
يومٌ لن تنساه عدن
في ظهيرةٍ هادئة من أكتوبر قبل أربعة أعوام، دوّى صوت الانفجار في سماء التواهي، فارتجّت النوافذ، وتطاير الغبار فوق أحياء المدينة الساحلية.
كان الموكب الرسمي يسلك طريق حجيف عندما باغتته سيارة مفخخة انفجرت بقوة هائلة، لتتحول اللحظة إلى مشهدٍ مأساويٍ من الدم والدخان والذهول.
في دقائق معدودة، ارتقت أرواح خمسة من خيرة الرجال، نذروا أنفسهم لخدمة الوطن، فسقطوا شهداء في ميدان الواجب والعزة.
أسماء كتبت بالدم والنور
لم يكونوا مجرد أسماء في قائمة رسمية، بل وجوه مألوفة وأرواح قريبة من نبض العمل اليومي في المحافظة:
الأستاذ أحمد أبو صالح– السكرتير الصحفي للمحافظ، قلمٌ مهنيّ كان يضيء الأخبار بصدق الكلمة وصفاء النية.
النقيب صدام حسين حميدة الخليفي – قائد حراسة المحافظ، رجل المواقف الصلبة والوفاء الذي لا يعرف التردد.
الملازم أسامة سالم لملس الخليفي – المرافق الشخصي للمحافظ، شابٌ في مقتبل العمر، حمل الولاء في عينيه والإقدام في قلبه.
طارق مصطفى – مصور بمكتب المحافظة، كان يوثق لحظات البناء والعمل، فإذا بالكاميرا توثق آخر مشهد في حياته.
أحمد حديج باراس – صحفي بمكتب المحافظة، كان يؤمن أن الكلمة يمكن أن تهزم الرصاصة، فواجه الموت بكرامة الإعلامي الحر.
رحم الله هؤلاء الأبطال الذين اختارهم القدر ليكونوا شهودًا خالدين على صمود عدن في وجه قوى الظلام.
من الألم إلى العزيمة
تحوّل ذلك الحادث الإجرامي إلى نقطة تحول في وعي المدينة.
فبدلًا من أن تبثّ الرهبة في النفوس، أيقظت الحادثة روحًا جديدة من الإصرار، إذ خرجت عدن بعدها أكثر تماسكًا وصلابة، وأعلن أبناؤها أن الإرهاب لن ينال من عزيمتهم، ولن يوقف مسيرة الحياة.
لقد أدرك الجميع أن الحرب ضد الإرهاب ليست معركة أمنية فحسب، بل معركة وعي وكرامة وهوية.
ومن دماء الشهداء، نبتت في شوارع عدن إرادة جديدة، تحرسها العيون الساهرة من رجال الأمن، وتغذيها قلوبٌ مؤمنة بأن الوطن يستحق كل تضحية.
لملس .. الرجل الذي واجه الموت بابتسامة المسؤول
حين نجا المحافظ أحمد حامد لملس من تفجير حجيف، لم تكن نجاته مجرد حدثٍ عابرٍ من بين أنقاض الانفجار، بل ميلادًا جديدًا لمسؤولٍ اختبر الموت عن قرب، وخرج من رماده أكثر إصرارًا على أن يكمل الطريق.
حمل لملس في قلبه وصية الشهداء الذين سقطوا حوله: «عدن أولًا»، وجعل منها منهج عملٍ وسلوك حياة، فكل قرارٍ اتخذه بعدها كان وفاءً لأولئك الذين رحلوا ليبقى الوطن حيًّا.
لم يُرَ لملس يومًا منكسراً أمام الفقد، بل ظهر كما عرفه أبناء عدن — الرجل الذي واجه الموت بابتسامة المسؤول المؤمن بعدالة قضيته، المتيقّن أن قدر القادة الحقيقيين أن يسيروا وسط العواصف حاملين راية الأمل.
ومنذ تلك اللحظة، تحوّل الألم إلى دافع، والنجاة إلى مسؤولية، فكان أن واصل مسيرة البناء والأمن في العاصمة، مؤكدًا أن عدن لن تُرهبها التفجيرات، لأنها تنجب رجالًا يعرفون معنى الحياة وسط الرماد.
عدن.. ذاكرة لا تنسى
تمر السنوات، لكن وجوه الشهداء لا تغيب.
في كل شارع من شوارع التواهي، وفي كل مكتب من مكاتب المحافظة، تظل صورهم تذكيرًا بأن الوفاء للوطن له ثمن، وأن الأبطال لا يموتون حين يموتون، بل حين ننسى.
ولذلك، فإن عدن — بكل مؤسساتها وأبنائها — ما زالت وفية لعهدهم، حافظةً لتضحياتهم، تسعى لأن تحقق ما حلموا به: مدينة آمنة، مزدهرة، حرة، تنبض بالحياة والكرامة.
رسالة الذكرى
الذكرى الرابعة لتفجير حجيف ليست مجرد استحضار لمأساة، بل تجديد لعهدٍ إنساني ووطني:
أن يبقى الجنوب في مواجهة الإرهاب بكل أشكاله، وأن يظلّ دم الشهداء منارةً تهدي الخطى نحو مستقبلٍ آمنٍ ومستقر.
وفي كل عام، حين تمر هذه الذكرى، يتجدد الدعاء لهم، وتتعالى الأصوات في عدن قائلةً:
'نمتم قريري العيون يا من صنعتم من الألم أملًا، ومن الفقد قوة، ومن الدم حياةً لوطنٍ لا يموت.'
خاتمة الوفاء
إن ما جرى في حجيف لم يكن مجرد حادث تفجير، بل **صفحة من تاريخ الجنوب الحديث** — صفحة كُتبت بدماء الأبطال، لتبقى شاهدًا على أن الإرهاب لا ينتصر أمام الإيمان، وأن عدن — مهما اشتدّ عليها الألم — قادرة على النهوض من بين الرماد.
رحم الله الشهداء الأبرار:
أبو صالح، صدام، أسامة، طارق، وباراس.
ولتبقَ عدن وفيةً لهم، تروي للأجيال أن هناك رجالًا عبروا هذه الأرض فتركوا فيها أثرًا لا يُمحى، واسمًا لا يُنسى، وذكرى تضيء الطريق كلما حلّ الظلام.