اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
تتعرض حضرموت اليوم لأزمة خدمية خانقة تتجلى في انقطاعات الكهرباء والمياه المستمرة لأكثر من 16 ساعة يومياً، مما أثار غضب سكان المكلا ودفعهم إلى تنظيم احتجاجات واسعة في شوارع المدينة للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي.
وأضافت الأزمة بُعداً سياسياً مع تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، الذي حذر من استخدام القوة لفرض نفوذه، في تطور قد يعيد تمثيل التجارب السابقة في عدن وأبين وشبوة، وفق تحليلات المراقبين الذين يربطون بين تأزم الخدمات وغياب الحلول السياسية.
وأشارت التقديرات إلى أن حضرموت، الأكبر مساحة والأغنى بالموارد النفطية والغازية في اليمن، أصبحت ساحة لتصارع المصالح الإقليمية، حيث تتصاعد حدة المنافسة غير المعلنة بين السعودية والإمارات للتحكم في مستقبل المحافظة المطلة على خطوط الملاحة الدولية.
وأوضح المراقبون أن تشابك الأزمات المحلية مع التنافس الخارجي يهدد باستنزاف استقرار المحافظة، خاصة مع تصاعد التهديدات العسكرية من جهة واستمرار تردي الخدمات من جهة أخرى، مما يدفع بالمحافظة نحو مرحلة أكثر تعقيداً على الصعيدين الإنساني والسياسي.
هروب من الفشل
التطورات الأخيرة في حضرموت تكشف عن صراع يتجاوز حدود النفوذ المحلي، ليمتد إلى محاولات منظمة لإضعاف مؤسسات الدولة الشرعية، وإعادة إنتاج سيناريو الفوضى الذي شهدته عدن وسقطرى وشبوة خلال السنوات الماضية.
يرى الصحفي مصعب عفيف في حديثه لـ'المهرية نت' أن التصعيد الأخير من قبل رئيس المجلس الانتقالي في حضرموت يعكس مشهدًا أكثر تعقيدًا من مجرد خلاف داخلي، ويمثل انعكاسًا لسلطة منقسمة وتابعة للخارج، تعمل تحت مظلة مشروع يستهدف تفكيك بنية الدولة اليمنية بمشاركة أطراف داخلية وخارجية.
ويشير عفيف إلى أن المجلس الانتقالي، المدرك لافتقاره إلى شرعية دستورية، يسعى إلى فرض سيطرته بالقوة كما فعل في سقطرى وعدن وغيرها. ويضيف: 'خشي الانتقالي من عودة مجلس النواب لممارسة مهامه في حضرموت، لأن وجود البرلمان يهدد نفوذه، ولذلك حاول عرقلة اللجنة البرلمانية ومنعها من أداء عملها، في خطوة تكشف عن رغبته في إقصاء مؤسسات الدولة الشرعية وعلى رأسها مجلس النواب'.
وفي هذا السياق، يوضح عفيف أن حلف قبائل حضرموت بدأ بإنشاء معسكرات تدريبية تحت مسمى قوات حماية حضرموت لتأمين المحافظة، وهو ما أثار مخاوف المجلس الانتقالي الساعي – بحسبه – إلى إحكام قبضته على حضرموت الغنية بالنفط، كما فعل في عدن وأبين وشبوة وسقطرى.
ويتابع: 'المجلس الانتقالي الذي قدّم نموذجًا فاشلًا في المحافظات الخاضعة لسيطرته، يسعى اليوم لتكرار التجربة في حضرموت، وهي المحافظة التي بقيت حتى الآن بعيدة عن الصراعات العسكرية والفوضى التي غرقت فيها مناطق نفوذه'.
ويضيف: 'بدلًا من حشد القوات والتهديد بالتصعيد في حضرموت، كان الأجدر بالمجلس الانتقالي أن يعالج الأزمات المتفاقمة في عدن، التي تغرق في مياه الصرف الصحي وتعيش في ظلام دامس'، معتبرًا أن التصعيد الأخير ليس سوى محاولة للهروب من واقع كارثي صنعه الانتقالي في تلك المناطق'.
ويؤكد عفيف أن هذه التهديدات لن تجد طريقها للتنفيذ، في ظل غياب الحاضنة الشعبية للمجلس الانتقالي في حضرموت، حيث يميل معظم أبنائها إلى خيار الحكم الذاتي الذي يطرحه حلف القبائل، باعتباره المخرج الأمثل لإبعاد المحافظة عن دوامة الصراع الدائر في البلاد.
اختبار جديد
تهديدات الانتقالي التي تصاعدت مؤخرًا ليست مجرد خطاب سياسي، بل انعكاس لأزمة عميقة يعيشها المجلس بعد فشل مشاريعه في الجنوب، بحسب ما يراه مراقبون.
يقول الباحث والكاتب السياسي فوزي شاكر في حديثه لـ'المهرية نت' إن التصريحات الأخيرة للمجلس الانتقالي بشأن حضرموت تمثل تصعيدًا خطيرًا في مشهد سياسي محتدم، لتدخل المحافظة اليوم في أتون صراع مشابه لما شهدته عدن وسقطرى وأبين وشبوة، صراع تغذيه أيادٍ خارجية تسعى لتقسيم اليمن وفق أجنداتها الخاصة'.
ويضيف شاكر أن حضرموت دخلت منذ يوليو 2024 في دوامة سياسية متصاعدة بين السلطة المحلية والمجلس الانتقالي وحلف قبائل حضرموت، معتبرًا أن التصريحات الأخيرة جاءت في ذروة هذا الاحتدام، وأن خيارات الانتقالي باتت ضيقة بشكل غير مسبوق، ما يدفعه إلى خطوات يعتبرها ضرورية لإثبات حضوره, ويرى أن هذه التهديدات ليست للاستهلاك الإعلامي فقط، بل محاولة لإظهار القوة بعد أن كشف الواقع هشاشة المجلس، خاصة بعد تحوله من حركة معارضة إلى جزء من السلطة، الأمر الذي فرض عليه تحديات جديدة.
ويتابع شاكر قائلاً: 'الحقيقة أن هذه التهديدات تكشف عن ضعف وعجز؛ فهي غير منطقية، ولم يقدم الانتقالي نموذجًا ناجحًا في عدن يُحتذى به. حضرموت اليوم في حراك واسع لانتزاع حقوقها السياسية والاقتصادية والخدمية، ولن تعود لوصاية مكونات تخدم أجندات أبوظبي التدميرية في المنطقة'.
ويعتبر شاكر أن الواقع أثبت أن المكونات التي قامت على الفرض بالقوة فشلت سياسيًا واجتماعيًا وأمنيًا في إدارة المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، وعجزت عن تقديم نموذج جامع أو بناء شراكة حقيقية ترتكز على الاحترام والتكامل.
ويختتم بالقول: 'محاولة الانتقالي السيطرة على حضرموت انتحار سياسي سيشعل الفتنة، وأبناء المحافظة يرفضون إعادة إنتاج مشهد الاقتتال العبثي الذي شهدته البلاد في 1986 أو استنساخ الماضي الأليم تحت شعارات زائفة وشهوة سلطة عمياء، من يفشل في ساحته لا يمكنه تصدير الوهم إلى حضرموت، ولا يحق له أن يتحدث باسم الجنوب وهو يعزل شركاءه ويتنكر لتضحياتهم'.
وفي ظل هذه التحديات، تبقى حضرموت على مفترق طرق حاسم بين الاستقرار والتدهور، مع ضرورة تجاوز الانقسامات الوطنية لتوحيد الجهود نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات الأساسية، بعيداً عن منطق القوة والصراع، لتصبح المحافظة نموذجاً للسلام والتنمية في الجنوب واليمن ككل.