اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
عادت أزمة الخطوط الجوية اليمنية إلى واجهة المشهد مجددًا، كاشفةً عن عمق الانقسام السياسي والإداري بين صنعاء وعدن، في ظل تداعيات إنسانية تزداد تفاقمًا على حساب المواطن اليمني، لا سيما المرضى والعالقين في الخارج.
وتفجّرت الأزمة بعد رفض إدارة الشركة في عدن اعتماد التذاكر الصادرة عن مكاتب اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء التابعة للحوثيين غير المعترف بها دوليا، على خلفية التوتر المتصاعد بعد قصفٍ إسرائيلي طال مطار صنعاء مؤخرًا، وأدى إلى تدمير أربع طائرات كانت محتجزة لدى الجماعة منذ نحو عام، ورفضت إعادتها إلى عدن.
هذا الرفض يُنذر بمزيد من المعاناة لمئات المسافرين اليمنيين، وخصوصًا العالقين في الأردن، ممن يحملون تذاكر سفر صادرة عن مكاتب صنعاء، ويتعذر عليهم دفع ثمن تذاكر جديدة للعودة.
شكاوى عديدة وصلت إلى موقع 'المهرية نت' من مواطنين يواجهون ظروفًا صعبة، يناشدون من خلالها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وإدارة الشركة اليمنية في عدن، التدخل الفوري لنقلهم وتقدير أوضاعهم المعيشية، وسط عجز عن تحمّل تكاليف الإقامة في الأردن أو شراء تذاكر جديدة.
الشارع اليمني غاضب: أين الرحمة؟
الغضب الشعبي كان جليًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر مواطنون عن استيائهم من التخبط الحاصل في إدارة الشركة، محمّلين الطرفين في صنعاء وعدن مسؤولية المعاناة المتزايدة، ومطالبين بتحييد الشركة عن الصراع السياسي القائم، وضمان حقوق المسافرين كاملة.
الناشط خالد مطهر جبرة علّق قائلًا: 'التذاكر قطعت من صنعاء، والمطار قُصف، والمواطنون ما زالوا عالقين في عمّان، والرد من عدن كان: تذاكركم غير مقبولة. رغم أن الناس مستعدون للسفر إلى عدن وتحمل مشقة الطريق إلى صنعاء، قوبلوا بالرفض فقط لأن مصدر التذكرة صنعاء!'
وخاطب جبرة المسؤولين بالقول: 'لا تقحموا المواطن في صراعاتكم.. ما ذنبه؟ معظم العالقين مرضى أو كبار سن. حتى من الناحية الإنسانية، لو كانت شركة أجنبية هي من أصدرت التذاكر، لكانت أعادتهم على نفقتها الخاصة. نحن يمنيون، عيب! استحوا إنسانيًا إن لم تستحوا سياسيًا'.
بدوره، كتب أصيل الكبودي: 'المسافرون العالقون الذين اشتروا تذاكر من صنعاء يُطلب منهم دفع ثمن جديد للتذكرة في عدن، وإلا فليظلوا عالقين. أين الإنسانية؟ كيف يتحمل المواطن نتائج صراع إداري داخل شركة يُفترض أن تخدم كل اليمنيين؟'
وتساءل الكبودي: 'لماذا يُعاقب المواطن لأنه اشترى تذكرته من أقرب مكتب؟ اليمنية خسرت طائرات، فهل ستخسر أكثر إن تعاملت بمسؤولية وإنصاف مع المسافرين؟'.
من جانبه، حذّر الصحفي رشيد الحداد من تفاقم معاناة المرضى العالقين في الخارج، الذين يعانون أصلًا من ظروف معيشية صعبة، مؤكدًا أن اشتراط شراء تذاكر جديدة هو أمر غير إنساني ويخالف قواعد العدالة.
أما الصحفي فاروق الكمالي، فرأى أن جوهر المشكلة يكمن في أن إدارات الشركة في صنعاء وعدن تتعامل مع حقوق المسافرين باعتبارها ورقة ضغط سياسية.
وقال إن الأزمة بدأت منذ سيطرة الحوثيين على ثلاث طائرات تابعة للشركة، ومنعها من مغادرة صنعاء، مطالبًا إدارة الشركة في صنعاء بإعادة المبالغ المالية للمسافرين الذين لم يُسمح لهم باستخدام تذاكرهم.
رد صنعاء: التذاكر قانونية ورفضها مخالف دوليًا
إدارة الخطوط الجوية اليمنية في صنعاء، من جهتها، أصدرت بيانًا رسميًا عبر صفحتها على فيسبوك، أعربت فيه عن أسفها لما وصفته بـ”الممارسات غير القانونية” التي ترتكبها بعض مكاتب الشركة في الداخل والخارج، برفضها التعامل مع تذاكر صادرة من صنعاء.
وأكدت أن تذكرة السفر تُعد وثيقة تعاقد ملزمة بين المسافر والشركة، ولا يحق لأي مكتب رفضها أو إلغاؤها تحت أي ذريعة. وأضافت أن من يقومون بهذه التصرفات يتحملون المسؤولية القانونية، كونها تُخالف أنظمة الطيران المدني الدولي.
وحثّت إدارة صنعاء جميع المتضررين على التقدم بشكاوى رسمية، مشددة على أن ما يحدث يمسّ بسمعة الشركة الوطنية، التي يُفترض أن تخدم جميع اليمنيين دون استثناء.
وفي ما يتعلق برحلات صنعاء – عمّان – صنعاء، نفت الإدارة وجود أي احتكار لتلك الرحلات من قِبل مكاتب صنعاء، وأكدت أن الحجوزات كانت متاحة لجميع مكاتب ووكلاء الشركة داخل اليمن وخارجه.
وأوضحت أن التحويلات المالية الناتجة عن مبيعات هذا الخط تجاوزت 2.5 مليون دولار تم تحويلها إلى حسابات الشركة في عدن خلال الربع الأول من عام 2025.
كما أوضحت أن التكاليف التشغيلية الكاملة للرحلات، بما فيها رسوم الوقود وخدمات مطار الملكة علياء وتكاليف عبور الأجواء السعودية والأردنية، يتم تسديدها من قبل الإدارة العامة في صنعاء، ما يؤكد أن الخدمة قائمة على التكامل، وليست مقتصرة على جهة دون أخرى.
واختتمت بيانها بالتنديد بـ'التصرفات اللامسؤولة ذات الطابع السياسي' التي ينتهجها بعض موظفي الشركة في مناطق أخرى، مؤكدة أن هذه الأفعال لن تثنيها عن مواصلة تقديم خدماتها لجميع اليمنيين.
وزارة العدل في صنعاء تندد: قرار عدن انتهاك جسيم
في السياق نفسه، أصدرت وزارة العدل وحقوق الإنسان في صنعاء بيانًا أدانت فيه قرار إدارة الخطوط الجوية اليمنية في عدن بعدم التعامل مع التذاكر الصادرة من صنعاء.
ووصفت القرار بـ'التعسفي'، وقالت إنه يشكل انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية للمواطنين في التنقل والسفر، ويتعارض مع المبادئ الإنسانية وقوانين النقل الجوي.
وأكدت الوزارة أن القرار يعمّق معاناة آلاف المواطنين، خاصة المرضى والعالقين في دول الاغتراب، والحجاج المتضررين من توقف رحلات مطار صنعاء بعد استهدافه.
وشدد البيان على أن الخطوط الجوية اليمنية ملك لكل اليمنيين، وأن تسييس خدماتها يُعد إخلالًا بمبدأ حيادية الخدمات العامة، ويفتح الباب أمام مآسٍ إنسانية تتكرر مع كل قرار إداري مسيّس.
بين الانقسام والسياسة... المواطن هو الضحية
تكشف هذه الأزمة مجددًا كيف يتحول الخلاف الإداري والسياسي بين السلطات المتنازعة في اليمن إلى عبء إضافي على كاهل المواطنين. فبدلاً من أن تكون الخطوط الجوية اليمنية وسيلة لنقل المسافرين وتخفيف معاناتهم، أصبحت ساحة جديدة للصراع، وورقة ضغط سياسية لا يُدفع ثمنها سوى المواطن اليمني البسيط.
وفيما تقترب عطلة عيد الأضحى، ومع تزايد مناشدات العالقين في الخارج، تبدو الحاجة ماسّة لتدخل فوري، عادل وإنساني، يُعيد للمواطن ثقته بمؤسسات بلده ويُجنّبه أن يكون رهينة لصراعات لا ناقة له فيها ولا جمل.