اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تتفاقم معاناة جرحى الجيش الوطني يومًا بعد آخر، مع تدهور أوضاعهم الصحية وتوقف مرتباتهم للشهر الخامس على التوالي، إضافة إلى تجميد معاملاتهم العلاجية في الخارج.
هذا التهميش الذي يتعرض له الجرحى دفعهم أخيرًا إلى الخروج من دائرة الصمت إلى ساحات الاعتصام، احتجاجًا على التجاهل الممنهج من قبل المجلس الرئاسي والحكومة.
خمسـة أشهر من الوجع تكفي لجعل الجرحى – الذين قدّموا أغلى ما يملكون دفاعاً عن الجمهورية – يعيشون بين عجز صحي متزايد وضائقةٍ معيشية خانقة، بينما تستمر مناشداتهم دون استجابة تُذكر.
ومع كل يوم يمرّ، تزداد مخاوفهم من أن يتحوّل هذا الإهمال إلى سياسة ثابتة، تعكس انهيار منظومة الرعاية العسكرية، وغياب الدولة عن أهم واجباتها تجاه مقاتليها.
ويؤكد الجرحى أن تأخر صرف رواتبهم الزهيدة وغياب الرعاية الطبية ليس مجرد خلال إداري، بل إهانة لدماء التضحيات، في ظل شعورهم بأن قضيتهم تُدار بقدر كبير من اللامبالاة، وأن حقوقهم أصبحت آخر ما يُطرح على طاولة المسؤولين.
*صرخةُ وجع
الجندي عبدالناصر السامعي، أحد أفراد الجبهة الشرقية بمعسكر التشريفات في محافظة تعز، يتحدث عن معاناته عن معاناته المتواصلة منذ إصابته الخطيرة في إحدى المعارك بتاريخ 13 ديسمبر 2017، برصاص قناص حوثي، مؤكدًا أن تلك الإصابة تسببت له بشلل نصفي بعد أن اخترقت الرصاصة البطن والعمود الفقري.
وقال السامعي في حديثه لـ'المهرية نت' إصابتي غيّرت مجرى حياتي بالكامل، بعدما فقدت قدرتي على الاعتماد على نفسي في كثير من الأمور اليومية، وأصبحت أعيش في ظروف صعبة ومعاناة مستمرة'.
وأضاف 'منذ أربعة أشهر لم نتسلم مرتباتنا، نعيش بخذلان كبير من الجهات المختصة، لا أحد يهتم بنا أو بظروفنا الصحية والمعيشية، نحن الجرحى متروكون في بيوتنا بلا علاج ولا متابعة من اللجنة الطبية'.
وأوضح الجندي الجريح أن أبرز الصعوبات التي يواجهها في مسار العلاج هي غياب المراكز المتخصصة بحالات الشلل والإصابات الخطيرة، مشيرًا إلى أنه وزملاءه الجرحى لم يتلقَّوا رعاية طبية تليق بتضحياتهم، لا في المستشفيات ولا حتى في المنازل، كما لم يتم اعتماد أي مصاريف علاجية لهم من قبل الجهات الرسمية.
وأكد السامعي أن انقطاع المرتبات أثر بشكل مباشر على حياته اليومية قائلًا: 'الراتب بالنسبة لنا هو الحياة، رغم أنه قليل جدًا مقارنة بالتشكيلات الأخرى إلا أن توقفه أغرقنا في الديون والمعاناة، ولولا رحمة الله ثم المساعدة الشهرية التي نتلقاها من الشيخ حمود لكان حالنا أسوأ بكثير'.
وتحدث بحرقة عن خذلان الحكومة قائلاً: 'نحن لم نقاتل إلا من أجل وطن جمهوري يحفظ حقوق اليمنيين، لكننا اليوم نُجازى بالنسيان والتجاهل، وهذا مؤلم جدًا لمن ضحّى بروحه وجسده لأجل الوطن، ثم يجازى بالنسيان والتجاهل'.
وطالب الحكومة واللجان المختصة بـصرف المستحقات المتأخرة وتسوية الرواتب أسوةً ببقية التشكيلات العسكرية، إضافةً إلى توفير الرعاية الطبية والعلاج الكامل للجرحى، والاهتمام بأسر الشهداء الذين قدموا أغلى ما لديهم دفاعًا عن الجمهورية.
وحذر من أن استمرار تجاهل الجرحى والمقاتلين يبعث رسائل سلبية ويقوّض الثقة بين المقاتلين والدولة إذ يتابع' قدمنا أرواحنا ودماءنا فداءً للوطن، ولن نتخلى عن حقنا في الرعاية والإنصاف، فالحق لا يضيع، وكل من خذلنا سيأتي يوم ويحاسب على تقصيره'.
وطالب عبدالناصر الحكومة بأن تفي بالتزاماتها تجاه الجرحى، وأن تكرم من ضحّوا لأجل الوطن لا أن تتركهم يصارعون الألم والجوع.
وختم قائلا' كل شيء زائل، لكن الوطن والحق باقٍ، وسنظل نطالب بحقوقنا حتى تُعاد لنا كرامتنا.'
*أوضاعٌ تزداد سوءً
في السياق ذاته قال، أمين عام رابطة جرحى تعز، رأفت العبيدي، إن' جرحى الجيش الوطني يواجهون أوضاعًا بالغة القسوة بعد انقطاع مرتباتهم لما يقارب نصف عام، مؤكدًا أن' كثيرًا من الجرحى – وهم في الغالب معاقون وغير قادرين على العمل – أصبحوا عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من احتياجات أسرهم'.
وأضاف العبيدي لـ'المهرية نت' الوضع المعيشي للجرحى كان مأساويًا حتى في الفترات التي كانوا يتسلمون فيها رواتبهم، والتي لا تتجاوز 58 ألف ريال، أي ما يعادل نحو 138 ريالًا سعوديًا، وهو مبلغ، لا يكفي لإيجار سكن ولا يؤمّن الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة فكيف سيكون حالهم اليوم بعد توقف تلك الرواتب الزهيدة؟!'.
وأشار إلى أن المعاناة لا تتوقف عند الجانب المعيشي، بل تمتد إلى الوضع الصحي الذي وصفه بالمأساوي، موضحًا أن' الحكومة الشرعية حتى الآن لم تعتمد ميزانية شهرية خاصة بالجرحى، ولم تُنشأ الهيئة الوطنية العليا لرعاية أسر الشهداء والجرحى، رغم توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي بذلك عند تشكيل المجلس'.
وأوضح العبيدي أنه لا توجد جهات مختصة تمتلك الإمكانات اللازمة لرعاية الجرحى صحيًا وأن الآمال كانت معلقة على إنشاء الهيئة الوطنية، لتخفيف معاناة الجرحى سواء في المستشفيات أو في منازلهم، وكذلك أولئك الذين يحتاجون للعلاج في الخارج.
ولفت إلى أن عددًا كبيرًا من الجرحى تدهورت حالتهم الصحية بسبب الإهمال وعرقلة إجراءات سفرهم للعلاج خارج البلاد، مشيرًا إلى أن بعضهم توفي متأثرًا بإصاباته نتيجة تلك العوامل، كما أن هناك إصابات كان يمكن علاجها في وقت مبكر تحولت إلى إعاقات دائمة بسبب تأخر التدخل الطبي أو السفر بهم إلى الخارج.
وأكد العبيدي أن' رابطة جرحى تعز تبذل جهودًا كبيرة منذ تأسيسها لإيصال معاناة الجرحى إلى الجهات الرسمية في الحكومة والرئاسة ومؤسسات الدولة كافة، لكنها ما تزال تنتظر خطوات عملية تلبي احتياجات هذه الفئة المنسية'.
ووجّه دعوته للحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية تجاه الجرحى الذين' ضحوا بأجسادهم ووقتهم وكل ما يملكون من أجل استعادة الشرعية والدفاع عن الجمهورية' داعيًا المنظمات الإنسانية إلى أداء دورها تجاه الجرحى، مؤكدًا أن' الدعم الموجه لهم شهد تراجعًا كبيرًا خلال العامين الماضيين رغم تزايد حجم المعاناة'.
*حقوقٌ مهملة*
بدوره قال العميد أمين الأكحلي، قائد قطاع الحجريه العسكري، إن' الوضع المعيشي والصحي لجرحى الجيش الوطني بلغ مستوى بالغ القسوة في ظل انقطاع الرواتب للشهر الخامس على التوالي، وما يعيشه الجرحى اليوم تعد مأساة حقيقية لا يمكن التغاضي عنها”.
وأضاف لـ' المهرية نت' هؤلاء الجرحى الذين قدّموا أرواحهم وأجزاء من أجسادهم دفاعًا عن الجمهورية يُفترض أن يحظوا بأولوية في الرعاية والاهتمام، وتأخر الرواتب يزيد معاناتهم اليومية، رغم أنها لا تفي أساسًا بالاحتياجات الضرورية لهم'.
وأشار الأكحلي إلى وجود حالات من الإهمال داخل عدد من المستشفيات، مبينًا أن بعض الجرحى لا يتلقون الرعاية الصحية المطلوبة، ويتابع' للأسف يبدو أن المناكفات الحزبية والصراعات داخل المؤسسات انعكست حتى على هذه الشريحة التي يجب أن تُعامل بوصفها أصحاب واجب وفضل'.
وأوضح أن' في قطاعه وحده سبعة من الجرحى يعانون من بتر أطراف أو فقدان البصر دون حصولهم على الرعاية الكافية، إلى أن بعض المناطق العسكرية تُظهر مستوى أفضل من الاهتمام، رغم محدودية الأعداد هناك'.
وأكد الأكحلي أن' كثيرًا من الحالات تدهورت صحياً خلال الفترة الماضية، وأن متابعة أوضاع الجرحى تكشف حجم التقصير بشكل صادم، من رئاسة المجلس الرئاسي وصولاً إلى قيادة الجيش مروراً بمؤسسات الحكومة والأحزاب السياسية'.
وشدد على ضرورة عدم استغلال ملف الجرحى في أي صراعات سياسية أو حزبية، وأن تُصرف حقوقهم كاملة دون منّة أو انتقاص، مشيرًا إلى أن تحسين الوضع الاقتصادي وتفعيل الإيرادات العامة قد ينعكس مستقبلًا على تحسين أوضاع الجرحى وأسر الشهداء إذا ما وُجهت الموارد إلى مساراتها الصحيحة.
وختم العميد الأكحلي تصريحه بالقول:' نأمل أن يلقى الجرحى المعاملة التي تليق بتضحياتهم، وأن تتكاتف كل الجهات الرسمية لإنصافهم، نحن ندعم الإصلاحات الاقتصادية رغم بطئها، ونرجو أن يرى الناس أثرها قريبًا؛ فالجرحى هم من دفعوا الدم من أجل أن نعيش بأمن وسلام، ومن الواجب ردّ الجميل لهم'.













































