اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2014، تعاقبت محاولات إقليمية ودولية عديدة لوقف النزاع، غير أن جميعها انتهت دون تحقيق اختراق حقيقي في جدار الأزمة المستعصية. وفي ظل هذا الجمود السياسي الطويل، برزت سلطنة عُمان كفاعل دبلوماسي محوري يسعى إلى إعادة إحياء مسار السلام المتوقف، مستندة إلى نهجها المتوازن وعلاقاتها المفتوحة مع مختلف أطراف الصراع اليمني والإقليمي.
وتشكل التحركات العُمانية اليوم بارقة أمل نادرة في مشهد يمني مثقل بالتوترات والمخاوف من عودة القتال إلى الواجهة، لا سيما بعد التهدئة الأخيرة في البحر الأحمر وتوقف الهجمات الحوثية ضد إسرائيل عقب إعلان وقف الحرب في غزة, بالتوازي مع عودة الحوثيين إلى إطلاق تهديدات مباشرة ضد السعودية والإمارات.
ويرى مراقبون أن الظروف الراهنة قد تتيح لمسقط فرصة فريدة لدفع العملية السياسية إلى الأمام، في ظل الإرهاق الذي أصاب أطراف النزاع وتبدّل أولويات القوى الإقليمية والدولية، إلا أن نجاح هذه الجهود سيظل مرهونًا بقدرة السلطنة على تحويل التفاهمات الأولية إلى اتفاق شامل يضع حدًا لحرب أنهكت اليمنيين لأكثر من عقد من الزمن.
كسر الجمود
تشهد الأزمة اليمنية حراكًا دبلوماسيًا متجددًا تقوده سلطنة عُمان، في محاولة لإعادة إحياء مسار المفاوضات بين الأطراف اليمنية وسط إجماع دولي متصاعد على ضرورة تحقيق اختراق فعلي في ملف الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.
ففي إطار هذا التحرك، أجرى وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية العُماني، خليفة الحارثي، لقاءً مع سفيرة المملكة المتحدة لدى اليمن، جرى خلاله تبادل الآراء حول مستجدات الجهود الإقليمية والدولية الداعمة لاستقرار الأوضاع، وسبل تشجيع الأطراف اليمنية على الانخراط في عملية سياسية شاملة. وقد وصفت السفيرة البريطانية اللقاء بأنه “ممتاز”، مشيدة بالدور المحوري الذي تضطلع به مسقط في خفض التصعيد وتعزيز مسار الحوار.
وتأتي هذه التحركات عقب تقارير إعلامية تحدثت عن مفاوضات مكثفة تقودها عُمان بين الحوثيين والسعودية، في مسعى عاجل لاحتواء التوتر ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة جديدة، بعد تهديدات أطلقتها جماعة الحوثي بإعادة استهداف السعودية وتفعيل “بنك الأهداف” السابق.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن مسقط تعمل بتنسيق وثيق مع مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن لإعادة تفعيل التفاهمات القائمة، والدفع نحو تنفيذ الاستحقاقات المتفق عليها، في خطوة تعكس قلقًا إقليميًا من احتمالات انهيار التهدئة التي شكلت أساس الجهود الأممية الأخيرة.
وتعكس الدبلوماسية العُمانية في الملف اليمني مزيجًا من الواقعية والهدوء، حيث تسعى مسقط إلى كبح التصعيد عبر توظيف علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية، مستندة إلى خبرتها الطويلة في الوساطة وفتح قنوات التواصل بين الخصوم.
مهمة ممكنة
يبدو أن التحركات العُمانية الأخيرة في الملف اليمني ليست وليدة اللحظة، بل تأتي امتدادًا لدور دبلوماسي متصاعد تسعى من خلاله مسقط إلى تثبيت موقعها كوسيط موثوق قادر على كسر حالة الجمود السياسي ومنع انزلاق الأوضاع نحو مواجهة جديدة.
وفي السياق, يقول المحلل السياسي عبد الرزاق الفائق لـ“المهرية نت” إن “التأثير العُماني على الأطراف اليمنية للحد من العودة إلى مربع العنف يُعد مهمة ممكنة في نظر الوسطاء الدوليين، بما فيهم العُمانيون، الذين يدركون أن نجاح جهودهم قد يفتح الباب أمام تسوية سياسية شاملة تنهي الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات'.
ويرى الفائق أن هذه التحركات تأتي في سياقٍ وقائي لتجنب تدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية، خصوصًا في ظل تصاعد حشد الحوثيين على الجبهات الحدودية مع السعودية، وتهديدهم المستمر بالتصعيد ما لم يتم استئناف الحوار مع الرياض. ويهدف الحوثيون – بحسبه – إلى الضغط على المملكة من أجل صرف رواتب موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم من عائدات النفط والغاز اليمني.
كما يشير إلى أن نجاح سلطنة عُمان في وقف الصراع بين الحوثيين والولايات المتحدة الأميركية مطلع مايو الماضي منحها دفعة قوية وثقة دولية جديدة في قدرتها على إدارة الملفات المعقدة، خصوصًا بعد إشادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدورها القيادي في التوصل إلى وقف الحرب بين الجانبين.
ويضيف الفائق أن الحياد العُماني ظل الورقة الرابحة لمسقط منذ بداية الأزمة اليمنية، إذ امتنعت عن الانضمام إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ما جعلها الدولة الوحيدة في المنطقة المقبولة من مختلف الأطراف كوسيط نزيه يمكنه تحقيق اختراق نوعي في مسار الأزمة.
وفي هذا السياق، يستشهد بتصريح سابق لوزير الخارجية العُماني الأسبق يوسف بن علوي، الذي قال: “لا نريد أن يسجل التاريخ أن عُمان اعتدت على اليمن، فهناك مشاعر قوية وجياشة لدى العُمانيين تجاه اليمن”، مؤكداً أن السلطنة كانت دائمًا تسعى إلى رأب الصدع وإنهاء الحرب لا تأجيجها'.
ويختتم الفائق بالقول إن مسقط تمتلك سجلًا حافلًا من الوساطات الناجحة، من بينها المفاوضات التي رعتها بعد انتهاء الهدنة في أكتوبر 2022، حين استضافت لقاءات بين الحوثيين والسعودية لمنع عودة المواجهات العسكرية، والتي أفضت في العام التالي إلى خارطة طريق وضعت أسس التفاهمات المتبادلة واستئناف قنوات التواصل بين الجانبين.
الفرصة الأخيرة
تعيش الأزمة اليمنية واحدة من أكثر مراحلها حساسية منذ سنوات، في ظل تصاعد التهديدات الحوثية باستئناف الهجمات ضد المصالح السعودية والإماراتية، مقابل جهود دبلوماسية مكثفة تقودها سلطنة عُمان بهدوء شديد، بدعم أممي، لمحاولة كبح التوتر ومنع انزلاق البلاد إلى جولة جديدة من الحرب.
ويأتي هذا التحرك في وقتٍ تمر فيه البلاد بحالة “اللاسلم واللاحرب”، بعد فشل جهود المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في التوصل إلى تسوية تنهي الصراع الممتد منذ أكثر من عقد.
ورغم الطابع السري الذي يكتنف الوساطة العُمانية، تشير مصادر سياسية إلى أن مسقط تتحرك على أكثر من مسار لإقناع الأطراف اليمنية والإقليمية بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، تبقى التوقعات متباينة بشأن فرص نجاح هذه الجهود، خاصة مع ارتفاع وتيرة الخطاب التصعيدي من قبل جماعة الحوثي.
فقد وجّه محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة صنعاء، تهديداً مباشراً للتحالف السعودي الإماراتي، متوعداً بالرد على ما وصفه بـ“التضييق الاقتصادي” على اليمنيين، قائلاً إن “معادلة البنك بالبنك والميناء بالميناء والمطار بالمطار لم تسقط”. واعتُبر هذا التصريح إشارة واضحة إلى احتمال استئناف الهجمات على البنى التحتية السعودية، في حال استمرار القيود على المنافذ والموانئ اليمنية'.
وفي السياق ذاته، دعا القيادي الحوثي حزام الأسد السعودية إلى “التحلي بالرشد”، محذراً من أن الجماعة قد تعود إلى استهداف منشآت مثل “أرامكو” و“نيوم” إذا استمرت “المناورات السياسية” – في تذكيرٍ بالهجمات التي شنّها الحوثيون عام 2019 على منشأتي بقيق وخريص. أما وزير الدفاع الحوثي محمد العاطفي، فقد ذهب أبعد من ذلك، متوعداً بأن “السماء ستمطر طائرات مسيّرة وصواريخ.
ويرى الباحث السياسي خليل إبراهيم أن الحوثيين استثمروا مشاركتهم في حرب غزة لإعادة تقديم أنفسهم كقوة إقليمية، قائلاً لـ“المهرية نت”: “لقد استغل الحوثيون الحرب لتسويق أنفسهم كمدافعين عن فلسطين، واستقطبوا آلاف المقاتلين الجدد، كما استفادوا من المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتعزيز موقفهم التفاوضي'.
ويضيف الباحث إبراهيم أن “ارتفاع سقف مطالب الحوثيين يبعث برسالة واضحة للسعودية والإمارات بأن الجماعة ترى نفسها المنتصر ميدانياً”، مشيراً إلى أن “الخلافات السعودية الإماراتية الحالية انعكست سلباً على وحدة الفصائل الموالية للحكومة، ومنحت الحوثيين شعوراً بالتفوق'.
ويتابع قائلاً: “السعودية تحاول اليوم الظهور كوسيط لا كطرف في الحرب، لتجنب كلفة إعادة الإعمار، بينما يرفض الحوثيون ذلك بشكل قاطع، معتبرين أن الرياض ما تزال طرفاً أساسياً في الصراع”.
كما يشير إلى أن “التحركات السعودية في محافظات حضرموت والمهرة، بدعم فصائل موازية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، تعكس رغبة في تأخير المفاوضات الشاملة حتى لا تؤول السيطرة في الجنوب إلى أطراف غير موالية للرياض'.
من جهته، يؤكد الصحفي مصعب عفيف أن “الوساطة العُمانية باتت أكثر إلحاحاً اليوم، خصوصاً بعد المناورات الحوثية الأخيرة على الحدود وتحريك قوات باتجاه السعودية، إلى جانب تهديدات باستهداف منشآت نفطية في جدة وربما ميناء جبل علي في الإمارات، إذا فشلت مسقط في مهمتها'.
ويختتم عفيف قائلاً: “بغض النظر عن مآلات الوساطة العُمانية، فإنها تمثل اليوم الفرصة الأخير للكثير من اليمنيين الذين أنهكتهم الحرب ودمّرت حياتهم، وسط مشهد معقد تتشابك فيه الحسابات الإقليمية مع المعاناة الإنسانية اليومية'.
وهكذا، تبدو الوساطة العُمانية مهمة ممكنة ولكن محفوفة بالمخاطر؛ فبين تصعيد الحوثيين، وتردد السعودية، وتباين المواقف الإقليمية، تبقى مسقط تحاول الإمساك بخيوط الأزمة، بحثاً عن تسوية تحفظ ما تبقى من فرص السلام في اليمن.













































